Sans Commentaires

Sans Commentaires

الأحد، 3 نوفمبر 2013

جبهة البوليساريو ـ أي مستقبل في ظل الواقع الجيوسياسي للمنطقة ؟



" جبهة البوليساريو " ـ أي مستقبل في ظل الواقع الجيوسياسي للمنطقة ؟
(قراءة في مسيرة حركة انفصالية)

إعداد / سعيد الشريف كاتب وباحث من فلسطين المحتلة
صدق الذي قال إن التاريخ كعلم لا يستسيغ الخطأ والمغالطة ، وإذا كان التاريخ كثيرا ما يخطئ، فإنه نادرا ما لا يتم تدارك غلطاته .. وتأسيس " جبهة البوليساريو " بهدف خلق كيان وهمي في الصحراء المغربية هو غلطة من غلطات تاريخنا المعاصر.
فجبهة " البوليساريو " ـ هي صنيعة مجموعة من الظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي حددت ظهورها في بداية السبعينات من القرن الماضي وهي ظروف دقيقة وحساسة بل وصعبة حيث تميزت:
أولا ـ على الواجهة الدولية بالحرب الباردة التي كان العالم مسرحا لها الشيء الذي سمح بظهور وقيام الثورات والحركات التحررية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية...
ثانيا ـ على المستوى المحلي :
أ ـ تميزت نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي بأنها كانت سنوات صعبة على الساحة السياسية والحقوقية المغربية ، سنوات شهدت خروقات جسيمة لحقوق الإنسان وانعدام الحريات ...
ب ـ الأقاليم الجنوبية للمغرب كانت تعيش وضعية خاصة تمثلت في:
ـ إحكام المستعمر الإسباني قبضته الحديدية على الأرض والثروات ..
ـ حالة البؤس المطلق التي كانت تعيشها المناطق الجنوبية التي عادت إلى الوطن ..
وإذا كانت جبهة " البوليساريو " استطاعت الاستفادة من تناقضات المنطقة والصراعات الدولية ـ معسكر شرقي وآخر غربي ـ فإن الوضع الدولي الحالي قد تغير بشكل كبير مع زوال مجموعة من هذه الصراعات وبخاصة على المستوى العالمي ..فقد أحدثت البريسترويكا تغييرا كبيرا في العالم وجعلته ذا قطب واحد مما فرض كثيرا من التحولات على " جبهة البوليساريو " ، التي تحولت إلى مشروع خاسر في الرهان على محاصرة وإضعاف المغرب ـ سياسيا وعسكريا واقتصاديا وجغرافيا..
 إن تناولنا لموضوع " البوليساريو " في هذا البحث ليس سوى محاولة متواضعة منا لفهم طبيعة هذا التنظيم، الظروف التي ساهمت في نشأته وأسباب استمرار وجوده رغم انتفاء الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي صاحبت نشأته.. كما تأتي هذه المحاولة مساهمة منا في تنوير القارئ العربي حول الأبعاد الحقيقية لهذا النزاع المرير الذي عمر طويلا ووضع هذا التنظيم الانفصالي في إطاره الصحيح، خاصة أمام أولئك الذين خدعوا بشعاراته " التحررية "..   
ففي الوقت الذي بدأت فيه العديد من وسائل الإعلام ومراكز الدراسات في العالم الغربي تولي أهمية كبرى لنزاع " الصحراء الغربية " خاصة مع طرح المغرب لمبادرته الجريئة والشجاعة لحل هذا النزاع ، فإننا ومع الأسف ما زلنا نلاحظ أن إعلامنا العربي ما يزال يتميز بشح في تناوله لحيثيات هذا النزاع ومكوناته ..
ولا يعترينا الشك أن الخوض في موضوع " البوليساريو " يعتبر مغامرة صعبة لأسباب عدة أهمها :
ـ ضعف التكوين الفكري والإيديولوجي لقيادة هذا التنظيم..
ـ افتقاد " البوليساريو " لمقومات الهوية كحركة تحرير وطني ..
ـ غياب بحوث معمقة حول هذا التنظيم ..
وقد اعتمدنا في بحثنا هذا على مصادر مختلفة نذكر منها على وجه الخصوص شهادات عدد من مؤسسي وأطر " جبهة البوليساريو " الذين التحقوا بوطنهم المغرب مثل السادة حبيب أيوب ومصطفى البرزاني ونور الدين أحمد بلالي و حامتي رباني وغيرهم بالإضافة  إلى مجموعة من تقارير منظمات دولية حول نزاع الصحراء وبعض الأعداد الصادرة عن النشرة الماركسية العالمية بالإضافة إلى عدد من الكتب المتخصصة كما اعتمدنا على ملفات و دراسات ومقالات منشورة على شبكة الانترنت باللغتين العربية والفرنسية وهي لكتاب وصحفيين مغاربة مثل إدريس ولد القابلة وعبد الرحمن المكاوي وآخرين من " جبهة البوليساريو " مثل السالك مفتاح واسلامة عبد الرحمن ومحمد سيدي إبراهيم . 
وحتى نفهم ماهية هذا التنظيم ، كان لابد لنا من قراءة في مسيرة الحركة المقاومة المغربية في الصحراء التي سبقت نشأة " البوليساريو " و الظروف الجيوسياسية والإقليمية والمحلية التي رافقت هذه النشأة .

أولا :  مقاومة المغاربة للاستعمار الإسباني في الصحراء المغربية
تؤكد الشواهد التاريخية أن الصحراء المغربية خلال فترة الاحتلال الإسباني لم تكن جرداء سياسيا، على العكس تماما، كانت هنالك الحركة السياسية والانتفاضة الوطنية في الصحراء المغربية .. فمنذ القرن 16 م خاض سكان الصحراء المغاربة المعارك الجهادية ضد الغزاة الأجانب دفاعا عن وحدة المغرب الوطنية والترابية والدينية .. ومنذ مطلع القرن العشرين وبداية المد الاستعماري الإسباني والفرنسي الذي بدأ نحو الصحراء من الشرق ومن الجنوب، انتفضت المقاومة والجهاد دون توقف أو استكانة ..وقد عرفت المقاومة ضد المستعمر أربعة مراحل أساسية:
ـ المرحلة الأولى ( 1884 ـ 1934 )
بدأت هذه المرحلة من مؤتمر برلين 1884 حيث تم تقسيم المستعمرات بين الدول الاستعمارية الكبرى حينذاك واستحوذت إسبانيا على الصحراء المغربية إلى جانب مناطق في الشمال المغربي وقد امتدت هذه المرحلة حتى شبه السيطرة الكاملة على الصحراء المغربية في العام 1934 ..
تميزت هذه المرحلة بالمقاومة الصلبة والشديدة ضد الاستعمارين ـ الفرنسي والإسباني ـ خاضها أبطال مغاربة صحراويون مجاهدون وعلى رأسهم الشيخ الفقيه ماء العينين الذي قاد أول حركة مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الأجنبي تحت شعار " الجهاد الإسلامي "
ـ المرحلة الثانية ( 1935 ـ 1957 )
عرفت المناطق الصحراوية في هذه المرحلة شبه هدنة شاملة على اثر اتفاق أبرمه المستعمر الإسباني مع بعض شيوخ القبائل والأعيان الصحراويين منح فيه الصحراويون حق التنقل بحرية وسمح لهم بالاحتفاظ بأسلحتهم .
ـ المرحلة الثالثة ( 1957 ـ 1970 )
تميزت هذه المرحلة بضراوة المقاومة الصحراوية ضد المستعمر الإسباني تحث راية جيش التحرير الوطني الذي نظم المقاومين الصحراويين ونفذ العديد من العمليات العسكرية ضد مراكز متقدمة للاستعمار واستطاع هذا الجيش تحرير مدن السمارة ، بئر انزران، أوسرد وصولا إلى منطقة أدرار في الشمال الموريتاني مما دفع بالقوتين الاستعماريتين إلى شن هجوم واسع وكاسح على جيش التحرير يوم 10 من شباط 1958 في عملية عرفت في التاريخ العسكري المعاصر باسم عملية " ايكوفين " وقد استعملت القوى الاستعمارية في هذه المعركة 70 طائرة حربية و630 آلية حربية و5000 جندي فرنسي و9000 جندي إسباني ..
بعد هذه العملية العسكرية التي أدت إلى تصفية جيش التحرير الوطني، خضع أبناء هذا الجيش لعملية إبادة ومطاردة ..  
خلال هذه الفترة نما الوعي السياسي والوطني في الصحراء المغربية مما أدى إلى ظهور عدة حركات و تنظيمات سياسية على الساحة التي كانت في مجملها مدعومة بطرق مختلفة من طرف حكومات كل من المغرب وإسبانيا نذكر منها :
" المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء "
تأسست عام 1966 بهدف تكوين جبهة ثورية وطالبت ب:
ـ تكوين إدارة صحراوية قادرة على تسيير البلاد..
ـ العمل على تحديد توقيت انسحاب القوات الإسبانية من إقليم الصحراء ..
ـ المطالبة بالمساواة بين الإسبان والصحراويين في الحقوق والواجبات..
ـ حل " الجمعية الصحراوية "..
ـ إجراء انتخابات حرة..
ـ وقف الهجرة الإسبانية إلى المناطق الصحراوية ..
 " حزب الإسلام "
تأسس هذا الحزب عام 1965 وتحددت مبادئه في:ـ
ـ الكفاح المسلح..
ـ الانضمام إلى المغرب مع الاحتفاظ بحقوق كاملة لسكان الإقليم الصحراوي..
 "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية "
أُنشئت هذه الحركة والتي عرفت سابقا ب " حركة الرجال الزرق " عام 1961 وكانت تهدف إلى توحيد الصحراء مع الوطن الأم ـ المغرب .. اتخذت من الجزائر مقرا لقيادتها ثم انتقلت إلى بلجيكا لتستقر عام 1975 بالمغرب..
 " الجماعة الصحراوية "
قامت الإدارة الإسبانية في العام 1967 بإنشاء " الجماعة الصحراوية " التي تضم زعماء القبائل الصحراوية في الساقية الحمراء وواد الذهب ومدينة العيون والداخلة وزعماء البطون والفروع الكبرى لكل قبيلة ووصل أعضاء هذه الجماعة 102 عضوا..
تحددت مهمة الجماعة في تمثيل السكان المحليين في علاقتهم مع الإدارة الاستعمارية الإسبانية والسيطرة على العلاقات القبلية..
كان السبب الأساسي لتكوين " الجماعة لصحراوية " هو توفير التغطية القانونية اللازمة لاستمرار النفوذ الإسباني في الصحراء المغربية وذلك من خلال استيعاب جميع الحركات والاتجاهات والأحزاب داخل هذه الجماعة لتكون تحت السيطرة الإسبانية ..
ـ " حزب جبهة التحرير والوحدة "
انشق هذا الحزب عن "حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الإسبانية".. تكون من شقين ـ سياسي وعسكري، طالب بالاندماج مع المغرب .. بدأ بشن هجمات عبر الحدود ابتداء من 1975 وذلك بهدف الضغط على المستعمر الإسباني للرحيل .صدر قرار بحله في سبتمبر من العام 1976..
ـ " حزب الاتحاد الوطني الصحراوي "
في إطار سياستها النيوكولونيالية ، قامت السلطات الاستعمارية الإسبانية بتأسيس حزب " الاتحاد الوطني الصحراوي " ( البونس ) عام 1974 .. وقد سعت الإدارة المستعمرة وأجهزتها الأمنية إلى بسط سيطرة هذا الحزب على كل أنحاء الصحراء المغربية بهدف تحضيره ليستلم السلطة في أعقاب انسحابها من الصحراء حتى تبقى المنطقة خاضعة لها، تتحكم فيها من خلال حزب
" الاتحاد الوطني الصحراوي " بهدف المحافظة على مصالحها الاقتصادية والتجارية..
انضم إلى هذا الحزب أعضاء " الجماعة الصحراوية ".. لم يفلح الاستعمار الإسباني في الحصول على دعم الصحراويين لصنيعتها حزب " الاتحاد الوطني الصحراوي " فتراجع عن قرار منح الاستقلال لهذا الحزب ..
بعد حل حزب " الاتحاد الوطني الصحراوي " انضم جزء كبير من قادته إلى جبهة " البوليساريو "
ـ المرحلة الرابعة ( بداية السبعينات من القرن الماضي )
شهد عقد السبعينات من القرن الماضي تطورا مثيرا في مسار حركة المقاومة في الصحراء المغربية إذ برز على السطح حادثان مهمان :
ـ انتفاضة 17 يونيو 1970 تحت قيادة " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب "
ـ الإعلان عن تشكيل منظمة  "موريهوب " ( أي الرجال الزرق )
ـ " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب " :
مهدت التغيرات السوسيوـ اقتصادية التي شهدتها الصحراء المغربية في الستينات إلى ظهور حركة قومية شابة مستندة على الطبقة الوسطى الجديدة ، خاصة منها الطلبة الصحراويون الذين كانوا قد أفادوا من التعليم الجامعي في المغرب وفي بعض الدول العربية كمصر وسوريا وإسبانيا الذين تأثروا أيضا بالأفكار المعادية للاستعمار المنتشرة آنذاك وقد سميت هذه الحركة بـ " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب " وكان قائدها محمد سيدي إبراهيم بصيري الذي ولد عام 1944 ودرس بالرباط ودمشق والقاهرة وامتهن الصحافة حيث عمل محررا لصحيفتي " الشهاب " و " الشموع " .
بدأ نشاط  الحركة الجديدة من خلال الإضرابات في أوساط العمال والتعبير عن رفض الإدارة الاستعمارية الإسبانية وممثليها ..استغلت " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب " أحداث الـ 17 يونيو 1970 للتعبير العلني عن رفض سكان الصحراء المغربية للاحتلال الإسباني برفعها مذكرة تطالب فيها إسبانيا بمنح الأقاليم الصحراوية الاستقلال في أسرع وقت ممكن ..
ففي يوم 17 يونيو من العام 1970 قررت إسبانيا تنظيم تجمع شعبي في العيون للبرهنة على أن الصحراء جزء من ( إسبانيا ـ الأم ) فنظمت حفلا كبيرا في مدينة العيون جلبت إليه العديد من الصحفيين الإسبان والأجانب وممثلي حكومة فرانكو وبعثت إسبانيا من جهة أخرى بشاحنات لجمع السكان من البوادي لإشراكهم في الحفل..
شعرت الحركة الطليعية بالمؤامرة ، فجمعت أعدادا كبيرة من أنصارها في حي " الزملة " على ربوة تشرف على مكان الاحتفال الإسباني للتعبير العلني عن رفضها للوجود الاستعماري الإسباني بكل أساليبه الهادفة إلى إخضاع الصحراويين وطمس هويتهم المغربية وإذابتهم في الهوية الإسبانية إلى الأبد ..مما دفع بالحاكم العسكري الإسباني للمنطقة إلى إرسال رئيس الشرطة ليطلب من المحتجين الانضمام إلى السكان في التجمع الذي تنظمه القيادة الإسبانية والتباحث مع السلطات الإسبانية في مطالبهم . وأمام إسرار المتظاهرين على تحديهم للمحتل الإسباني قامت القوات الإسبانية النظامية بتطويق الحركة الطليعية وأنصارها في خيامهم وإطلاق النار عليهم من كل صوب .. ففر كثير من السكان وسقط آخرون شهداء وفرض منع التجول على المدينة لمدة ثلاثة أيام واعتقلت السلطات الاستعمارية المئات من المواطنين الصحراويين كما تم سحق " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء وواد الذهب " والاستيلاء على كل وثائقها وأموالها .. أما قادة الحركة، خصوصا محمد سيدي إبراهيم بصيري و محمد بن لوشاعة وخمسة أفراد آخرون من قيادة الحركة فلا يزال مصيرهم مجهولا حتى يومنا هذا ..
تمثلت مطالب الحركة الطليعية في:
1ـ المطالب الآتية:
أ ـ المطالبة بتدريس اللغة العربية والتاريخ وبناء المدارس..
ب ـ السماح للطلبة الصحراويين الدراسة خارج إسبانيا في البلاد العربية بهدف الحفاظ على الهوية العربية الإسلامية ..
ج ـ المساواة بين الإسبان والصحراويين في الرتب والمناصب ومستوى المعيشة ..
د ـ وقف الهجرة الإسبانية وإعطاء الأولوية لليد العاملة الصحراوية ..
ه ـ تكوين أطر صحراوية قادرة على تسيير البلاد ..
و ـ حل " الجمعية العامة الصحراوية " ( لاسمبليا ) وإجراء انتخابات حرة ونزيهة..
2 ـ مطالب استراتيجية:
ـ المطالبة بانسحاب المستعمر الإسباني من كل الأراضي الصحراوية ..
هذا وقد جاءت انتفاضة 17 يونيو نتيجة لأسباب كثيرة أهمها:
ـ سوء الظروف المعيشية التي كان يعاني منها المواطن الصحراوي حيث الأجور هزيلة..
ـ سوء ظروف العمل بالنسبة للعامل الصحراوي ..
ـ تكثيف الهجرة الإسبانية نحو الصحراء المغربية وتفضيل العامل الإسباني عن الصحراوي في أماكن العمل ..
ـ السكن في أحياء مهمشة ..
ـ عدم وجود مدارس كافية للتعليم والتأهيل ( فقط مدرستان ابتدائيتان في مدينتي العيون والسمارة ومعهد صغير واحد في العيون )
ـ استغلال ونهب الثروات من طرف المستعمر الإسباني .
ـ  منظمة " موريهوب " ( الرجال الزرق ) :
أعلن في العام 1970 عن تشكيل منظمة سرية جديدة في الصحراء المغربية تعمل على مقاومة الاستعمار الإسباني وهي منظمة " موريهوب " أي ( الرجال الزرق ) بزعامة ادوارد موحا .
وتعتبر " موريهوب " عمليا أول منظمة سياسية صحراوية يسارية حتى ذالك الوقت ..
تأسست " موريهوب " بدعم من الجزائر كما ساندها " الحزب الشيوعي الإسباني " وتعاونت مع
" حركة استقلال جزر الكناري " التي كانت تتخذ من الجزائر مقرا لها .. طالبت منظمة
" موريهوب " ب :
ـ الاستقلال التام للساقية الحمراء ووادي الذهب..
ـ قطع أية علاقة مع إسبانيا والمغرب وموريتانيا ..
ـ العمل على إقامة دولة مستقلة في الصحراء ذات حكم ديمقراطي تقدمي شعبي..
هذا ونظرا للظروف الذاتية والموضوعية التي مرت منها المنطقة واختلال موازين القوى ، تخلت منظمة " موريهوب " المدعمة من الجزائر عن مطلبها بإقامة دولة مستقلة مفضلة العودة لأحضان الوطن الأم ـ المغرب .

ثانيا : " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " ( البوليساريو ) / النشأة
شكل الرد الذي قامت به إسبانيا ضد " الحركة الطليعية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " وسلبية رد الفعل الرسمي المغربي والأحزاب السياسية المغربية حافزا للتفكير من جديد بالأسلوب الأنجع لبناء تنظيم يؤطر المغاربة الصحراويين ويوجه طاقاتهم ويتبنى مطالبهم المشروعة في مواجهة المستعمر الإسباني وتصفيته من الصحراء المغربية .
فجاءت المحاولة من مجموعة من الطلبة الصحراويين الموجودين أساسا في المغرب وموريتانيا.
وقد تشكلت خلية للطلبة الصحراويين المناضلين سنة 1972 ـ 1973 بالرباط وتحديدا بكلية الحقوق ( أكدال ) .. وكانت هذه الخلية متأثرة وبشكل واضح بالأفكار الراديكالية التي كانت مهيمنة في تلك المرحلة بين صفوف الطلبة الجامعيين بالمغرب..
يجب أن نشير هنا وعلى سبيل التذكير فقط، أنه في تلك الفترة ظهرت إلى الوجود العديد من المنظمات الماركسية الماوية داخل صفوف الحركة الطلابية المغربية وقد تمكنت هذه المنظمات وبشكل كامل من " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب "(UNEM) الذي لعب دورا أساسيا في النضال العام ضد السلطة .. وقد كان عدد من مؤسسي " جبهة البوليساريو " مناضلين في صفوف هذه التنظيمات الراديكالية و في صفوف " الاتحاد الوطني لطلبة المغرب " .
وهكذا، في أواخر الستينات وبداية السبعينات بدأ أبناء الصحراء المغربية ينتظمون فيما بينهم ويعقدون لقاءات مع القوى السياسية المغربية من أجل دعم حركتهم التحررية الفتية .. وبموازاة ذلك كان السكان الصحراويون المغاربة يخوضون نضالا مريرا في الصحراء ضد الوجود الإسباني .
ويرى مصطفى بوه، عضو المكتب السياسي السابق في " جبهة البوليساريو " أن ولادة هذا التنظيم لم تكن في الصحراء المغربية التي لم يكن له جذور فيها حيث أن أغلبية المواطنين كانوا إما مع
" حزب الاتحاد الوطني الصحراوي " الذي كان يتزعمه خليهنا ولد الرشيد أو مع " الجمعية الصحراوية " التي كان يتزعمها خطري سعيد ولد الجماني .. كما أن القبائل الصحراوية لم تكن لتولي أمر هذا التنظيم أهمية نظرا لما لزعيم القبيلة ورؤسائها وأعيانها من تأثير كبير في حياة السكان.. إن الولادة الحقيقية لـ " جبهة البوليساريو " كانت في جامعة محمد الخامس بكلية الحقوق ( أكدال ) بالرباط ..
إن أحد العناصر المهمة التي كان لها الأثر العميق في تطور توجه الأحداث في المناطق الصحراوية التي شكلت بدون أدنى شك خطأ استراتيجيا جسيما ارتكبته الدولة المغربية آنذاك هو اعتقالها وتعذيبها لمجموعة من الطلبة الصحراويين الذين خرجوا بمظاهرات حاولوا من خلالها الضغط على الحكومة المغربية لتعمل جادة وبأسرع وقت على استكمال تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني ..
إن هؤلاء الطلبة الذين جاؤوا إلى الدنيا في الخمسينات ـ سنوات استقلال المغرب ـ أبناء أعضاء جيش التحرير الوطني الباسل، هذا الجيش الذي كان مكونا في أساسه من أبناء الأقاليم الجنوبية والذي تم حله سنة 1958 حتى قبل أن يستكمل مهام تحرير جميع التراب المغربي ، هؤلاء الأبناء الذين تمدرسوا في مدارس واعداديات طانطان، كلميم وأغادير وولجوا الجامعات المغربية، وجدوا أنفسهم يعيشون في حالة من البؤس المطلق.. لقد كانوا آلافا من المواطنين المغاربة الأحرار الذين يتوقون إلى الحرية والعمل والكرامة، ولكن ولسخرية القدر، لم يحصلوا على شيء مما كانوا ينشدونه.
لم يرض أبناء الجنوب المغربي بحل جيش التحرير الوطني ونزع سلاحه ومنعه من مواصلة تحرير باقي التراب الوطني فخرجوا  بمظاهرات في موسم طانطان الذي يستقطب سكان وتجار الصحراء الكبرى منذ عقود، يصرخون سوء حالتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية و يطالبون الحكومة المغربية لتعمل جادة على تسريع استكمال تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني خاصة وأن مناطق الريف في الشمال المغربي وطرفاية وافني التي كانت مستعمرة من الإسبان تم تحريرها ..
الحكومة المغربية ادعت آنذاك أنها تفضل الدخول في مفاوضات مع الحكومة الإسبانية من أجل انجاز مهمة التحرير واستكمال الوحدة الترابية للمغرب .
لابد من الإشارة هنا إلى أن الدولة المغربية  في هذه الفترة ـ الستينات وبداية السبعينات ـ كانت تواجه تحديات داخلية وخارجية كبيرة وبالتالي فان أولويات هذه الحكومة كانت تنصب على تأسيس دولة الاستقلال .. وتم بالفعل تهميش البعد الوطني التحرري فضلا عن تغييب المسالة الديمقراطية في البلاد.
واجهت السلطات المحلية في طانطان الطلبة الصحراويين المحتجين بالاعتقال والتعذيب ، خاصة وأن معظم هؤلاء الطلبة ينتمون إلى التيار اليساري المسيطر على الجامعات والمدارس الثانوية المغربية ويعارض النظام السياسي في البلاد .. فما كان من رد فعل هؤلاء الشباب الجامعيين إلا الفرار إلى الدول المجاورة.. فكانت أول محطة لهم هي موريتانيا ليستقر بهم المطاف في أحضان الجزائر.
اعتقلت السلطات الموريتانية مجموعة من هؤلاء الطلبة وكان من بينهم محمد عبد العزيز ومحمد العظمي وبطل السيد أحمد والبندير معييق وآخرين..وكانت تنوي تسليمهم إلى السلطات المغربية ..غير أن تخوفها من ردة فعل أهالي المعتقلين الذين ينتمون في معظمهم إلى قبائل تقطن شمال موريتانيا جعل السلطات في هذا البلد تتراجع عن قرارها وتفرج عنهم .( شهادة السيد نور الدين بلال )
تلك إذا هي بداية الشروع في التأسيس لـ" جبهة البوليساريو " وقد برزت في هذه المرحلة التحركات التي كان يقوم بها الوالي مصطفى السيد ـ مؤسس " البوليساريو " ـ على الساحة واللقاءات التي كان يجريها مع الطلبة الصحراويين .. هذه اللقاءات التي تمخضت عن عقد المؤتمر التأسيسي الأول لـ " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " في العاشر من مايو 1973 بمدينة الزويرات على الحدود الموريتانية بمشاركة كل من :
1 ـ الوالي مصطفى السيد، من قبيلة التهالات
2 ـ العظمي محمد ( عمر الحضرمي )
3 ـ محمد لامين ولد الليلي، من طانطان
4 ـ نور الدين بلالي
5 ـ أمهمد ولد زيو، من قدماء جيش التحرير
6 ـ محمد لامين ولد البوهالي ولد الغنيجر، قدم من تندوف وكان ضابط في الجيش الجزائري.
7 ـ أحمد تو ولد خليلي وهو محمد ولد خليلي المعروف باسم محمد عبد العزيز، والده ضابط متقاعد في القوات المسلحة الملكية
8 ـ موسى لبصير، من المودنين،  قدم من العيون.
9 ـ لوشاعة عبيد، من المودنين، قدم من العسون
10 ـ محمد ولد سعد أبوه،  قدم من المحبس
11 ـ البشير ولد مصطفى، قدم من طانطان
12 ـ البندير ولد معييق، من قبيلة ولاد دليم قدم،  من طانطان
13 ـ حبيب الله ولد لكويري، قدم من كلميم،  كان والده رجل أمن في كلميم
14 ـ الداه نفعي، المعروف بالجنوب، جندي في الجيش الإسباني.
15 ـ أحمد ولد القايد صالح، من آيت موسى وعلي، قدم العيون.
16 ـ غالي ولد سيدي مصطفى، المدعو غالي ابراهيم، رجل أمن، قادم من السمارة.
17 ـ محمد سالم ولد عبد الله، قدم من الجنوب.
18 ـ سيدي ولد حيدوك، المعروف بخطري، قدم من طانطان.
19 ـ البشير ولد عبد الله، قدم من العيون.
20 ـ سيدي، المعروف بكوير، قدم من الأقاليم الجنوبية
هذه هي إذا المجموعة التي التي أسست " جبهة البوليساريو " في مؤتمرها الأول وكونوا هيئاته المسيرة ..
فبعد مناقشات عاصفة، انتخب المؤتمرون لجنة تنفيذية من سبعة أعضاء ومكتبا سياسيا من 21 عضوا.
تشكلت اللجنة لتنفيذية من :
ـ غالي ولد سيد المصطفى ( إبراهيم غالي )، أمينا عاما لـ " جبهة البوليساريو "
ـ العظمي محمد ( عمر الحضرمي )
ـ محمد لمتين
ـ محمد ولد سعيد بوه
ـ محمد لامين أحمد
ـ محمد لامين ولد البوهالي
ـ الصالح ولد الغشيو " ولد باكرا "
ـ الفراح ولد الحسني " عبد الغني "
كما تم الاتفاق على أن يشغل الوالي مصطفى السيد مهمة سكرتير خاص ملحق باللجنة التنفيذية وذلك بهدف إعطاء الجبهة طابعا صحراويا محضا على اعتبار أن إبراهيم غالي ينحدر من المنطقة بخلاف الوالي مصطفى السيد الذي كان سيواجه معارضة من قبل جزء كبير من الأطر المؤسسة للجبهة .
صدر عن المؤتمر بيان سياسي يعلن:
ـ انطلاق " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "(البوليساريو) ـ بصفتها حركة تحرير الصحراء الغربية ..
ـ إن الهدف من الجبهة هو تحرير الصحراء من الاستعمار الإسباني..
ـ اعتماد الكفاح الثوري المسلح أسلوبا للعمل على تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب..
يقول السلك مفتاح ، وهو بالمناسبة من صحفيي " البوليساريو "  المناوئين  للوحدة الترابية المغربية حول بدايات تأسيس " جبهة البوليساريو " ..لقد جاء تأسيس " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب " وإعلان خطاب الكفاح الثوري المسلح تبدلا كبيرا وجديدا ، وبالذات في الرسالة التي حملتها .. وشكلت التوعية بمخاطر الاستعمار ومظالمه، حجر الزاوية في الخطاب الجديد الذي تأسس بعد مخاض عسير ومداولات عدة التأمت خواتمها بمدينة الزويرات الموريتانية بعد المحبس والسمارة ( الشمال الشرقي ) العيون ، طانطان و تندوف .. ضل يصاغ على مدار سنوات 1971 ـ 1973 وكان امتدادا وتواصلا لخطاب حركة بصيري .."
ويضيف الصحفي سالك مفتاح : " هنا نسجل أنه، رغم الانقسام في الرؤيا، وتحديدا بين الأوساط المشبعة بالتيارات الراديكالية ذات المرجعية الماركسية والمتعاطفين مع الناصرية والبعثية، لكن الغلبة كانت للتيار الراديكالي الذي يؤمن بأن الحرية مقدسة تنتزع ـ الذي كان يتزعمه مؤسس الحركة الوالي..".
وهنا لابد لنا من التذكير بأبرز الظروف التي واكبت إن لم نقل سرعت بإعلان تأسيس " جبهة البوليساريو " وإعلانها الكفاح الثوري المسلح :
داخليا:
ـ احتدام المواجهة بين المغرب والمستعمر الإسباني ..
ـ الإعلان عن وثيقة 20 فبراير الخاصة بمنح الحكم الذاتي في الصحراء الغربية..
ـ الإعلان عن تأسيس منظمة " موريهوب " التي رأى فيه الوالي مصطفى السيد،                  مؤسس " البوليساريو " تحديا لحركته الوليدة ..
إقليميا:
ـ الموقف الذي أعلنه قائد الثورة الليبية في العام 1972 قي موريتانيا والذي دعا فيه إلى إزاحة كل الأنظمة الملكية في العالم العربي..


خارجيا:
ـ هبوب رياح التغيير على القارة الإفريقية والعالم الثالث التي حملتها موجة تصفية الاستعمار وإعادة صياغة النظم السياسية والثقافية والاجتماعية التي انجرت عنها..
وحتى نفهم ما هي " البوليساريو " كان لا بد لنا من فهم الظروف التي رافقت  نشأتها والاديولوجية التي تتبناها وطبيعة بنيتها الهيكلية .
ثالثا :  الظروف التي رافقت نشأة " البوليساريو "
ـ الظروف الجيوسياسية:
لعبت الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي دورا بارزا في النزاع الدائر في منطقة الصحراء المغربية خاصة في السنوات الأولى من الحرب... وكنتيجة لظروف الحرب الباردة فقد كان العالم منقسما إلى معسكرين: معسكر شرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي ومعسكر غربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ..
 كان المعسكر الشرقي مدعوما من حركة عدم الانحياز التي كانت تضم الدول الاشتراكية القريبة بشكل أو بآخر من الاتحاد السوفييتي، وقد عمل هذا المعسكر على نقل الحرب الباردة إلى دول العالم الثالث... وكانت إستراتيجيته في تحقيق ذلك تقوم على إنشاء حركات التحرر الوطني أو دعمها بهدف خلق "مناطق توتر" تؤدي بالتالي إلى إرهاق " العدو الغربي " مستعينة في ذلك بأيادٍ محلية .. وفي حال الصراع الذي نحن بصدده فقد كانت الجزائر وجبهة البوليساريو ـ اليد التي يحارب بها الاتحاد السوفييتي النظام المغربي باعتباره حليفا للولايات المتحدة..
ـ الظروف الإقليمية:
1 / الخلاف الجزائري ـ المغربي:
ـ وجود خلاف هادئ بين المغرب والجزائر مما أدى في العام 1963م إلى مواجهة عسكرية قصيرة عرفت في التاريخ باسم " حرب الرمال " بين المغرب والجزائر.
ـ اختلاف النظام السياسي بين البلدين الجارين وتضارب المصالح وانقسام من الناحية الأيديولوجية إلى معسكرين متناحرين.
ـ دعم الرئيس الجزائري الراحل وبشكل قوي تأسيس جبهة البوليساريو وذلك باحتضان مجموعة من الطلبة الصحراويين الذين كانوا يدرسون في الجزائر ومدّهم بالمال والسلاح راجيا من وراء ذلك إلى:
أ ـ استنزاف المغرب في قضية الصحراء الغربية حتى لا ينشغل بقضية صحراء تندوف التي كان المغرب ينادي بمغربيتها.
ب ـ سعي الجزائر الحثيث على أن يكون لها منفذ على المحيط الأطلسي من خلال إيجاد كيان صحراوي مصطنع و ضعيف وممارسة نفوذها المباشر وغير المباشر على الشعب الصحراوي.
ج ـ التطلع إلى زعامة منطقة المغرب العربي والقارة السمراء وذلك من خلال إضعاف المغرب انطلاقا من النظرية البسماركية التي تقول : " انه لكي تكون لك قوة إقليمية ، عليك أن تضعف جيرانك .."
د ـ خلق بؤرة نزاع لانهاية لها تشغل المغرب عن تحقيق مهام التنمية الاقتصادية وتحقيق الديمقراطية..
2 / دخول ليبيا على خط المواجهة:
 بعد انقلاب سبتمبر 1969م ضد الملك إدريس أعلن القدافي في طرابلس عن قيام " الجمهورية العربية الليبية " التي كانت متأثرة بنموذج جمال عبد الناصر في مصر كما تقرب من الاتحاد السوفييتي الذي رأى في نظام القدافي حليفا استراتيجيا له في المنطقة، فمده بالسلاح المتطور وبدأ القذافي حربا على الأنظمة " الرجعية " في القارة الإفريقية فكان أول من قام بدعم " جبهة البوليساريو" بالسلاح والمال معتبرا " جبهة البوليساريو " جزءا من الثورة العربية المعادية للرجعية والإمبريالية والصهيونية.. لكن سرعان ما قررت ليبيا خلال سنة 1984م أن الثورة ليست بالضرورة الشكل الأكثر فاعلية لإنجاز الوحدة العربية فتخلى قائد الثورة الليبية عن مساندة  " البوليساريو" ، ووقع معاهدة وحدة مع المغرب.
3 / دخول كوبا على خط المواجهة:
 دخول كوبا على خط إفريقيا بدعم من الاتحاد السوفييتي وذلك بغرض قلب أنظمة الحكم في القارة الإفريقية ودعم الحركات الماركسية وإنشاء مناطق لحرب العصابات على طريقة تشي غيفارا والتمرد على الأنظمة الخارجة عن فلك الدول الاشتراكية... فمشروع شي غيفارا سيكون النبراس في حرب الصحراء بين المغرب و" البوليساريو ". ففي كتاب ( El Magnifico  ) لخوان فيفيس الياس، أحد رجالات مخابرات نظام كاسترو سابقا الذي كان موجودا في الجزائر في تلك الفترة ، يشرح خوان فيفيس كيف أرسى أرنستو شي غيفارا الدعائم الأولى لتأسيس
" البوليساريو " في زيارة له للجزائر عام 1963 كما يروي تفاصيل إقامة المراكز الأولى لتدريب عناصر " البوليساريو " فضلا عن تنظيم رحلات تدريب إلى كوبا يشرف عليها خبراء عسكريون سوفييت..
يجب الإشارة هنا إلى أن الكوبيين كانوا قد توافدوا إلى الجزائر عام 1963م حيث كانوا قد بعثوا إلى هناك بكتيبة دبابات ومستشارين عسكريين وخبراء أمنيين وكان أحد أهم أدوار هؤلاء المستشارين هو دعم التنظيمات الانفصالية في المنطقة. ففي العام 1965 وعلى أثر اغتيال أحد رموز التيار اليساري في المغرب، المعارض المغربي المهدي بن بركة في العاصمة الفرنسية، توعد الرئيس الكوبي فيديل كاسترو بالانتقام من المغرب، فاتخذ قرارا بتدريب مجموعة من الصحراويين لتصبح بعد سنوات قليلة فيما بعد نواة لما يسمى " جبهة البوليساريو " ، كما يؤكد ذلك خوان فيفيس في كتاب ( El Magnifico )
4 / السياسة النيوكولونيالية الإسبانية :
راهنت إسبانيا و بشهادة السيد مصطفى البرزاني، أحد مؤسسي"  جبهة البوليساريو "، على خلق نظام تابع لها في الصحراء المغربية وذلك من خلال منح الاستقلال لـ " الحزب الوطني الصحراوي " وبعد فشلها في تحقيق مرادها ، أصبحت تراهن على " جبهة البوليساريو " لتحقيق هدفها ذلك .. فحتى عام 1975 جرت عدة اتصالات قرب " المحبس " على الحدود الجزائرية بين الجنرال الإسباني سالازار ومؤسس " جبهة البوليساريو " الوالي مصطفى السيد وبحضور ضابط الاستخبارات العسكرية الجزائرية في الناحية الثالثة .. أثمرت هذه اللقاءات عن عمليات تبادل أسرى بين الجانبين والشروع في إجراء مفاوضات حول نقل السلطة إلى " جبهة البوليساريو " وعقد مؤثر "عين بنتلي "  عام 1975 الذي أحضرت فيه إسبانيا مجموعة من الصحراويين أعضاء " الجماعة الصحراوية " واستقدمت الجزائر " جبهة البوليساريو " وذلك بهدف تصفية الخلاف بين الجماعتين .. وهذا ما يؤكد تواطؤ كل من الحكومة الاستعمارية الإسبانية وجنرالات الجزائر على خلق كيان مصطنع وهمي في الصحراء المغرية وجعل " جبهة البوليساريو" حصان طروادة لغاياتهم .
ـ المعطى الداخلي المغربي:
أ ـ  إنّ نهاية سنوات الستينيات وبداية السبعينيات تميزت بأنها كانت سنوات صعبة على الساحة السياسية والحقوقية المغربية ، سنوات تميزت بخروقات جسيمة لحقوق الإنسان و انعدمت فيها الحريات .. وهو ما يؤكده الباحث المغربي مصطفى بوعزيز حيث يقول إنّ هذه السنوات كانت مميزة على العديد من المستويات، لقد كانت ظروفا استثنائية حيث أغلق الحقل السياسي والثقافي في ظروف اتسمت بمخاض اجتماعي عميق..
ب ـ كان الوضع في الجنوب المغربي، يقول السيد مولاي عباس ـ القائد العسكري السابق في    " جبهة البوليساريو " ـ يعيش وضعية خاصة تتمثل في الاستعمار الإسباني لمنطقتي الساقية الحمراء وواد الذهب وفي الاستقلال الحديث لأطراف من هذا الجنوب، هذه الأطراف التي كانت تعيش عزلة وظروفا خاصة يمكن وصفها بالمهينة وحاطه بالكرامة الإنسانية .. بلاد مقفرة حيث لا توجد طرق معبدة ولا مياه جارية ولا صرف صحي ولا كهرباء ولا استثمارات ولا شغل..لا شيء يسمح بالقول بأن هذه المناطق كانت فعلا جزءا من الوطن.
هذه الحالة من البؤس المطلق هي التي كان يعيشها هؤلاء المقاتلون الأبطال ، مقاتلو جيش التحرير الوطني وأبناؤهم وبالتالي فإن جميع الظروف الموضوعية كانت مهيأة لنوع من التمرد سواء على المستعمر الإسباني أو على بعض التصرفات التي كانت المناطق المحررة مسرحا لها نتيجة لجملة من الممارسات الخاطئة لرجال السلطة بهذه المناطق .. 

رابعا : " جبهة البوليساريو " ـ  معانقة الانفصال
1/ البوليساريو ـ من حركة " تحرير"  وطن إلى حركة " انفصال " عن الوطن !
لم يكن مؤسس " البوليساريو " الوالي مصطفى السيد انفصاليا في نشأته حيث كان الهدف الرئيسي لتحركه هو طرد الاستعمار الإسباني وعودة الصحراء إلى حظيرة الوطن الأم ـ المغرب.
ففي العام 1973 قدم الوالي مصطفى السيد مذكرة سياسية لبعض الأحزاب السياسية المغربية في إطار المناقشات التي كان يخوضها لبلورة تصوره لتحرير الصحراء ونشرتها صحيفة " 23 مارس " في شهر يناير 1973 على حلقات.. هذه المذكرة المكتوبة بخط يد الوالي مصطفى السيد يعترف فيها مؤسس" البوليساريو "  بمغربية الصحراء بقوله ".. يمكن القول إن المنطقة كانت إقليما مغربيا كسائر الأقاليم المغربية." كما يؤكد الوالي في مذكرته الترابط التاريخي المصيري بين الصحراء الغربية والمغرب من خلال اعتباره أن الصحراء كانت نقطة إستراتيجية في صراع القوى الاستعمارية المتنافسة على المغرب..
إذا ومما سبق ذكره، يمكن الجزم بأن الانفصال عن الوطن الأم لم يكن الهدف الأول لمؤسس      " جبهة البوليساريو " .
لم تتحول " البوليساريو " إلى حركة انفصالية إلا بعدما لم يجد أعضاؤها أي سند  لهم داخل الوطن ـ المغرب .. فقد كانت الدولة المغربية في بداية الاستقلال تعتبر قضية تحرير الصحراء المغربية مسألة ثانوية بينما كانت تولي أهمية كبرى لتثبيت أسس سلطة الدولة الفتية وهو ما أدخل المغرب في صيرورة من الصراعات الداخلية أدى إلى إغلاق ثكنات جيش التحرير وإغلاق الأبواب أمام الديمقراطية وكان من نتائج هذا الصراع تجميد ملف الصحراء مدة 15 سنة ..
كما لم يتمكن مؤسس الحركة  الوالي مصطفي السيد من خلال لقاءاته مع القوى السياسية المغربية إقناع اليسار المغربي من دعم أطروحاته بخصوص تحرير الصحراء المغربية ..
فبينما كان اليسار الماركسي المغربي ينظر لتأسيس بؤرة ثورية في الجنوب المغربي تكون بمثابة منطلق للتغيير السياسي قي المغرب ، كان الوالي مصطفى ، الذي يمثل مطالب الشباب الجامعيين المنحدرين من المناطق الصحراوية ، ينطلق من نقطة مهمة وهي أن الصحراء  المغربية مازالت مستعمرة وبالتالي فقد رأى هذا التيار أنه قبل المطالبة بالعام .. يجب الانشغال بالخاص ..
وحتى نقف على العوامل التي أدت إلى تحول " جبهة البوليساريو " من حركة معارضة سياسية داخلية في سياق الاحتقان السياسي الداخلي في مغرب أوائل السبعينات من القرن الماضي وتحولها إلى حركة انفصالية ، لابد لنا أن نقف على هيكلة هذا التنظيم على مستوى النفوذ والإطارات القيادية ..
وهكذا يأتي في مقدمة هرم هذا التنظيم الطلاب القادمون من المغرب الذين يشكلون الطغمة المهيمنة على القرار داخل " البوليساريو " من منطلق تكوينهم الفكري والثقافي..
ثم يأتي على مستوى الأهمية كل من :
ـ الأطر القادمة من موريتانيا.
ـ الأطر القادمة من داخل الصحراء المغربية المستعمرة.
ـ  الطلبة القادمون من الجزائر الذين درسوا في بشار وتندوف ووهران.
ـ الطلبة الصحراويون الذين كانوا يدرسون في إسبانيا وغادروا مقاعد دراستهم للالتحاق ب
" جبهة البوليساريو " .. وقد كانت أطروحات " البوليساريو "  في بداية انطلاقها تتماشى والقناعات لدى معظم هؤلاء الطلبة المنظمين في إطار منظمة  " اختساريو " ( الكفاح من أجل طرد المستعمر الإسباني ).
لقد سيطرت المجموعة القادمة من طانطان على " حركة البوليساريو " في بداية النشأة وكانت لصيقة أكثر بالموقف الجزائري وهي التي لعبت لاحقا دورا كبيرا في نشر الفكر الانفصالي وسط أوساط الشبيبة الصحراوية .
لقد كان هدف " جبهة البوليساريو " ومؤسسها مصطفى الوالي عند نشأتها طرد المستعمر الإسباني وليس تكوين دولة مستقلة في الصحراء المغربية . فلم تذكر " البوليساريو " في يوم من الأيام الانفصال عن المغرب إلا بعد سنة 1976 أي بعد دخول بعض الأنظمة المجاورة على خط       " البوليساريو " وتورط هذه الأخيرة في تحالفات مشبوهة مع قوى إقليمية وتحولها إلى لعبة في خدمة هذه الأنظمة ومصالحها..
فبعد أن حصلت الجزائر على استقلالها. ساد الشعور بأن المسلسل الثوري لا يجب أن يتوقف إلا عندما يتم القضاء على النظام الملكي " الرجعي " في المغرب  " العميل للامبريالية " . ولقد فسر هذا الموقف الرئيس الجزائري هواري بومدين عندما قال :
" ..في الواقع، يعتقد إخواننا المغاربة ، أنهم ساعدونا في تحقيق استقلالنا عن فرنسا، الآن يتوجب علينا أن نساعدهم في التحرر من الملكية القطاعية التي باعتهم للغرب.."
كما اعتبرت الجزائر استرجاع المغرب لصحرائه المستعمرة ، تهديدا للوحدة الترابية الجزائرية ووسيلة لتطويقها ومقدمة لإجهاض ثورتها " .. كما صرح بذلك الرئيس هواري بومدين في خطاب ألقاه يوم 24 شباط 1976.
وقد جاء في شهادات عدد من الفاعلين الأساسيين الذين عايشوا بدايات هذا النزاع وأثروا في مجرياته ونخص بالذكر السيد مبارك بو درقة ( الملقب بعباس ) وهو مناضل حقوقي عاش في المنفى مدة ربع قرن والمناضل محمد بن سعيد أيت يدر، أحد أبرز قادة جيش التحرير بالجنوب المغربي وعليه، أن النظام العسكري في الجزائر قرر اعتماد نظرية " الحرب الغير مباشرة " من خلال المراهنة على حركة " موريهوب " ( الرجال الزرق ) بزعامة ادوارد موحا والتي كانت تتخذ من الجزائر مقرا لها .. وبعد التحاق زعيمها ادوارد موحا بالمغرب، لجأ جنرالات الجزائر إلى المعارضين المغاربة الذين كانوا يتخذون من الجزائر ملجأ لهم ووضعوا أمامهم كل الإمكانات المالية والعسكرية لفتح جبهة شرق المغرب، لكن أولئك المعارضين قرروا مساندة بلدهم المغرب في معركته الجديدة بالصحراء المغربية ، رغم اختلافهم مع الدولة المغربية ومعارضتهم لها،  ووقعوا وثيقة تدين كل مساس بوحدة التراب المغربي بهدف إقامة دويلة في الصحراء المغربية .. وقد حملت هذه الوثيقة توقيع محمد الفقيه البصري ومحمد بن سعيد أيت يدر ومحمد باهي حرمة والعديد من المعارضين والمقاومين المغاربة الذين كانوا يقيمون بالجزائر.
إذاً قررت الجزائر خوض حرب استنزاف سياسية وعسكرية طويلة الأمد ضد المغرب عن طريق صنيعتها " جبهة البوليساريو " من خلال احتضان هذا التنظيم فوق التراب الجزائري والتركيز عليه وتسليحه وتدريب مقاتليه لخوض حربها البديلة مع الجيش المغربي وفرض نفسها كطرف أساسي في المعادلة وذلك من خلال إقامة نظام انفصالي في المنطقة يكون تابعا لها ويضمن لها مصالح إستراتيجية واقتصادية..
في العام 1972 من القرن الماضي، زار العقيد معمر القذافي ، قائد ثورة الفاتح من سبتمبر، موريتانيا وأعلن حينها تصريحه المشهور الذي دعا فيه إلى إزاحة كل الأنظمة الملكية في العالم العربي ..
لقد سعى العقيد معمر القدافي في بداية الثورة الليبية إلى تحرير جميع العالم العربي من الملكيات بما فيها الملكية في المغرب.. وقد اعتبر أن الصحراء المغربية يجب أن تكون بؤرة ثورية لتحرير المغرب من النظام الملكي..
لقد أراد قائد الثورة الليبية الذي كان أول من أطلق اسم " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " على  جمهورية " البوليساريو " الوهمية يريد من هذا التنظيم تحرير الصحراء باعتبارها مغربية وبأن تنطلق شرارة التغيير من هذه المنطقة لتشمل عموم المغرب ولينطلق من المغرب التغيير نحو المشرق والخليج .. لم يكن قائد الثورة الليبية في يوم من الأيام من دعاة انفصال الصحراء عن المغرب ، بل دعم  " البوليساريو "  كحركة وطنية قومية من أجل التغيير في المغرب .
ومن أجل تحقيق أهدافه، زار العقيد معمر القدافي موريتانيا في العام 1976 وفتح قنوات اتصال مع " البوليساريو " والتقى بمؤسسها الوالي مصطفى وقدم له الدعم السياسي والعسكري والمالي والإعلامي ..
2/ الإعلان عن " الجمهورية العربية الصحراوية " وتكريس فكرة الانفصال:
لم تكن فكرة إحداث ما يسمى ب " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " لتخطر على أذهان غالبية مؤسسي " جبهة البوليساريو " في تلك المرحلة بل ولا حتى على ذهن مؤسسها الأول، الوالي مصطفى السيد .. لقد كانت فكرة الرجل القوي آنذاك في بلاد السوفييت، يوري أندروبوف، رئيس جهاز المخابرات السوفييتية الـ ( كي جي بي ) الذي اقترح على رجل المخابرات الأول في الجزائر قاصدي مرباح، في لقاء خاص جمعهم في العاصمة الجزائرية الإعلان عن قيام " الجمهورية الصحراوية " المزعومة في أسرع وقت ممكن وقبل أن يتمكن المغرب من بسط سيطرته على أقاليمه المحررة.. كان يوري أندروبوف يعلم جيدا أن قوام كادر الجبهة العسكري والمدني الذي لم يكن يتجاوز في أحسن حاله 600 عنصر، جزء كبير منهم قادمون من دول الجوار لأسباب اقتصادية في الدرجة الأولى، لم يكن يخدم أطروحة الدولة الصحراوية المزعومة . وعليه فإن أنظار رجل المخابرات السوفييتية كانت مركزة على الثلاثة آلاف عنصر، عداد قوات الشرطة الصحراوية المسرحين من جيش الاستعمار الإسباني والذين وجدوا أنفسهم بعد الانسحاب الإسباني من الأراضي الصحراوية دون عمل وبلا هدف ..
وهكذا دفعت الجزائر ب " البوليساريو " إلى الإعلان عن ما يسمى ب" الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " يوم الـ 27 فبراير 1976 على لسان الوالي مصطفى السيد في حفل خطابي أقيم بالجنوب الجزائري في منطقة ( ببر لحلو) و أشرف على إخراجه أحد كبار السينمائيين السوفييت ، المخرج جورجي أندروفيتش وتناقلته وسائل الإعلام العالمية.. 
لابد من الإشارة هنا إلى أن بنية " الجمهورية الصحراوية " تشبه إلى حد بعيد بنية  " جبهة البوليساريو " ووجودها نظري إذ إن نفوذها لا يشمل سوى بضع كيلومترات مربعة في الجزائر حوالي منطقة تيندوف حيث تقع مخيمات المحتجزين الصحراويين. غير أن هذا الوجود الافتراضي للجمهورية الصحراوي المزعومة سوف يمنح بعدا مختلفا للصراع الدائر في الصحراء .. فقد كان للإعلان عن ميلاد ما يسمى بـ " الجمهورية الصحراوية " صد واسع في كل أرجاء المعمورة.. حيث حصلت هذه الجمهورية الوهمية بفضل الدبلوماسية الجزائرية على اعتراف أزيد من 70 دولة في كل أنحاء العالم.. فقد لعبت الدبلوماسية الجزائرية دورا مهما من أجل اكتساب اعتراف دولي واسع بـ " الجمهورية الصحراوية " المزعومة ومن أجل إيجاد موضع لملف مشكل الصحراء على سطح المنظومة الدولية.. وقد استعملت من أجل ذلك معظم الآليات والتدابير اللازمة منها، كما يذكر أستاذ العلاقات الدولية الدكتور عبد الواحد الناصر، تقديم المكافآت المالية إلى بعض الدول الأفريقية مقابل اعترافها بهذه الجمهورية المزعومة..
لقد حاولت الجزائر ومنذ البداية ، بحكم تجربتها السياسية والاستخباراتية ، احتواء مؤسس " جبهة البوليساريو " ورفاقه، أعضاء قيادة هذا التنظيم، وذلك باستعمال لعبة الاستخبارات .. وقد نجحت بالفعل حيث اعترف بذلك الوالي مصطفى السيد في عبارة مقتضبة وعميقة أسر بها إلى أحد رفاقه عندما قال " لقد أجرمنا بحق شعبنا.."
لقد شعر مؤسس الجبهة بازدياد التدخل الخارجي وبخاصة الجزائري والكوبي في القرار الصحراوي حيث كان العسكريون الجزائريون والمستشارون الأمنيون الكوبيون يدفعون باتجاه فتح معارك داخل الحدود الدولية للجمهورية الموريتانية ـ الحلقة الأضعف في نزاع الصحراء ..
حاول الوالي مصطفى السيد مقاومة هذه الضغوط بالتوجه نحو قائد الثورة الليبية وخلق نوع من التوازن في علاقة الجبهة بالدولة الجزائرية..إلا أنه فشل في مسعاه ذلك حيث أن المخابرات الجزائرية كانت قد تمكنت من إحكام قبضتها على قرار الانفصاليين.
لم يكن يعلم مؤسس " جبهة البوليساريو " الوالي مصطفى سيد وهو يصرح أمام أحد رجالات الاستخبارات الجزائرية في لحظة غضب بأن منطقة تندوف، وهي منطقة متنازع عليها بين المغرب والجزائر، يجب أن تكون في المستقبل جزءا من " الجمهورية الصحراوية " ، بأن مثل هذا التصريح سيوضع على مكتب الرجل الأول في المخابرات الجزائرية قاصدي مرباح.. الذي سيسارع بدوره ليتدارس الموقف مع المسئولين السوفييت..
كانت تعليمات يوري أندروبوف للمسئول الجزائري بضرورة العمل على التخلص من الوالي مصطفى السيد الذي أصبحت تصرفاته وتصريحاته تهدد المخطط الجزائري وبالتالي السوفييتي في المنطقة.
وهكذا وبتخطيط من المخابرات الجزائرية والكوبية ، اتخذ القرار بإرسال الأمين العام لـ " جبهة البوليساريو " ورئيس جمهوريتها الوهمية على رأس مجموعة من مقاتلي الجبهة إلى داخل الحدود الموريتانية حيث دخل في معركة انتحارية خاسرة قضي نحبه فيها يوم الـ 9 من يونيو 1976 في ظروف غامضة ، ليتم بعد ذلك انتخاب محمد عبد العزيز، أمينا عاما " لجبهة البوليساريو " ورئيسا لجمهوريتها في المؤتمر الثالث للجبهة عام 1976 ، مع العلم أن هذا الأخير " لا يعد واحدا من الدائرة الضيقة لصانعي التنظيم ، يقول لحبيب أيوب ويضيف ، لقد اختاره الجزائريون ولم نستطع أن نرفض، فهم كانوا يعطوننا كل شيء، أو تقريبا كل شيء، وهكذا ظل يعتبر دائما تابعا لهم.." ولتتمكن بعد ذلك المخابرات الجزائرية من إحكام السيطرة الكاملة والتحكم في خيوط تسيير " جبهة البوليساريو " و جمهوريتها الوهمية .

خامسا : الطبيعة العقائدية " لجبهة البوليساريو"
في نهاية الستينات هزت العالم أزمات سياسية كبرى كان لها الأثر الكبير على تفكير الشباب وتوجهاتهم... فقد وجد الشباب نفسه في غمرة هذه الأزمات متمردا على كل الأنظمة، فأخذ يؤطر نفسه في إطار تنظيمات راديكالية مقاتلة أو يلتحق فرادى أو جماعات في صفوف تنظيمات تقاتل من أجل " عالم جديد ".
ولم يكن الشباب الصحراوي حالة استثنائية .عن هذا الواقع كما يؤكد الباحث السوسيولوجي البلجيكي وليام راسيمورا الذي قضى عشر سنوات باحثا في قضايا شباب المغرب العربي حيث يرى بأن الأمر كان يتعلق بـ " ثورة ضد جميع أشكال السلطة ، لقد كانت حركة شبابية تريد التحرر من كل سلطة ، بما فيها سلطة القبيلة والعشيرة والجماعة والعائلة. وكانت تلك الحركة تشبه إلى حد بعيد الحركات الموجودة وقتذاك في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك أوروبا. لقد كان الشباب يرغبون في زحزحة وصاية الكبار، أو ببساطة، يرغبون في إثبات الوجود. وبالنظر إلى السياق التاريخي لتلك المرحلة في المغرب والمناطق الصحراوية أخذت تلك الثورة توجها عنيفا وقادت إلى إنشاء أو تقوية تنظيم انفصالي كان موجودا. إنها برهان على أن الشباب الصحراوي كان منقطعا عن الواقع مثلما كان الجناح المتطرف من الشبيبة الأوروبية و مثلما كان الشباب المغربي المنتمي إلى أقصى اليسار. . "
إذاً في خضم هذه الظروف نشأت " جبهة البوليساريو " التي كان مؤسسوها متأثرين بالنزعات الثورية واليسارية الماركسية التي كانت قي أوجها في مرحلة الستينات والسبعينات، كمنظمة من أقصى اليسار تؤمن بالفكر الماركسي الستاليني أقرب إلى الفكر الماوي، تجند أعضاءها من الشباب وخاصة من شباب الثانوية العامة، أبناء محاربي جيش التحرير الوطني / الجناح الجنوبي الذين تربوا وترعرعوا في مخيمات اللاجئين بعد أن لجأ آباؤهم إلى هذه المناطق بعد معركة  
" اكوفيان " التي هزم فيها جيش التحرير الوطني / الجناح الجنوبي عام 1958م.. ومن هؤلاء الشباب تم تشكيل النواة الأولى لجبهة البوليساريو.

سادسا : البنية التنظيمية للبوليساريو
لما كان المغرب قد استرجع أقاليمه الصحراوية ، وجدت مجموعة العناصر التي تشكل " جبهة البوليساريو " نفسها في مواجهة انعدام قاعدة جماهيرية تستند إليها، ولأجل تلافي هذا النقص ، لم تجد " البوليساريو" طريقا أفضل من اقتياد جزء من الساكنة الصحراوية إلى مخيمات أقامتها فوق التراب الجزائري وسمتها زورا بمخيمات " اللاجئين الصحراويين " أو مسميات وهمية كـمخيم
" العيون " و " الداخلة " و" أوسرد " أو مخيم " السمارة " مستعملة مجموعة من الخدع والأكاذيب.
فعلى مدى ثلاثة أشهر، قامت " جبهة البوليساريو " بتجميع المواطنين الصحراويين قرب تندوف لتمارس عليهم سلطتها مستفيدة في ذلك من التواطؤ الإسباني والجزائري..
فقد قامت السلطات الاستعمارية الإسبانية ومن أجل تسهيل عملية تهجير المواطنين الصحراويين إلى الجنوب الجزائري بسحب قواتها من المنطقة الشرقية المتاخمة للحدود الجزائرية فيما عملت السلطات الجزائرية على تجنيد قواتها المسلحة وتخصيص مئات الشحنات العسكرية لمساعدة
" البوليساريو " في إخراج المواطنين الصحراويين من ديارهم وتهجيرهم ـ قسرا ـ نحو مخيمات أعدت سلفا لاستيعاب المهجرين الصحراويين . كان عددهم في تلك الفترة يقدر بحوالي 7000 مواطن صحراوي مغربي أضيف إليهم لاحقا 3000 من المواطنين الماليين الفارين من المجاعة والجفاف..   
كان جنرالات الجزائر وصنيعتهم " البوليساريو " يدركون جيدا أنه بدون وجود هذه المخيمات، لم يكن ممكنا وجود حركة سياسية عسكرية تحمل اسم " جبهة البوليساريو" وأن وجود " جبهة البوليساريو " مرتبط بوجود المخيمات نفسها.
هكذا وبعد أن أُجبر جزءٌ من سكان الصحراء المغربية على العيش كلاجئين، تحولت " جبهة البوليساريو " إلى "حزب ـ دولة" على نمط المنظمات العسكرية ـ البوليسية..
انطلاقا من الحكمة التي تقول " إن الحياة لا تقبل الفراغ " تطبق " جبهة البوليساريو " نظرية " ملء الفراغ " التي تخصص فيها كل من السيد مصطفى السيد وخليل سيدي محمد ..
نظرية " ملء الفراغ " هذه تعني أن الإنسان يجب أن يشحن طيلة اليوم وكل يوم بفترات طويلة من التعبئة العقائدية والعسكرية والتكييف النفسي ولا يجب أن يترك لسكان الخيمات فراغ حتى لا يفكرون في مصيرهم وفي واقعهم المرير داخل هذه المخيمات وحتى لا يفكروا الحرية وكيفية التخلص من جحيم الحجز..( شهادة السيد مصطفى البرزاني )
لقد تبنت " البوليساريو " سياسة التجنيد والتكوين الإيديولوجي تجاه كل شخص يعيش داخل مخيمات تندوف، مدنيين وعسكريين، صحراويين مغاربة أو طوارق جزائريين، ماليين أو موريتانيين. وقد وضعت لهذا الغرض هيكلية مستوحاة من النموذج الشيوعي الألباني .. الهدف من هذه الهيكلية هو تقطيع الروابط داخل العائلة الواحدة بعزل كل فرد داخل خلية سياسية عسكرية يخضع فيها لتكوين عقائدي مستمر يتولاه مفوضون سياسيون..
وهكذا ومنذ العام 1976 أصبحت جبهة البوليساريو ذات بنية تنظيمية هرمية على النمط الماركسي الكلاسيكي تمارس من خلالها تعبئة صارمة ودائمة على ساكنة مخيمات تندوف . فهي تخضع لقيادة كاتبها العام الذي تعاونه لجنة تنفيذية من سبعة أعضاء يشكلون في الوقت نفسه جزءا من المكتب السياسي المكون من 21 عضوا، ثلاثة منهم مكلفون بمهام التنظيمات الجماهيرية التي تضم ثلاث فئات من الصحراويين " العمال، الفلاحين والنساء "..
يشكل أعضاء المكتب السياسي مضافا إليهم الأعضاء التسعة المنتخبون في لجان " قاعدة الشعب " ما يسمى بـ " المجلس الوطني للشعب ".
وحتى ندرك بشكل أفضل جوانب هذا التنظيم، من المفيد ملاحظته من الأسفل إلى الأعلى:
ـ الخلية الأساسية:
تتكون الخلية الأساسية من 5 إلى 10 أشخاص غالبيتهم من النساء يرأسها " عريف ".
يرأس ( العرفاء ) ـ غالبيتهم من النساء ـ الاجتماعات الأسبوعية للخلايا التي يطلب خلالها من أعضائها تقديم  تقرير أسبوعي، شفوي أو كتابي، إلى العريف حول الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والأمنية داخل حي كل من أعضاء الخلية ..
ـ مجلس العرفاء :
ينتمي مسئول أو مسئولة الخلية إلى مجلس يسمى " مجلس  العرفاء ". يرأس مجلس العرفاء مفوض سياسي..
ـ المفوض السياسي:
يعين من طرف مسئول الأمانة الدائمة  للمكتب السياسي ويرأس " مجلس العرفاء " الذي يجتمع كل أسبوع بعد اجتماعات الخلايا .
يستمع المفوض السياسي لمختلف تدخلات العرفاء ويكون حصيلة للتقارير الشفوية والكتابية المقدمة .. يتصرف المفوض السياسي على مستوى الدائرة .
ـ المفوض السياسي العام :
هو الوالي ( رئيس المخيم ) وهو عضو في المكتب السياسي لزوما. يرأس مجلس المفوضين السياسيين لمختلف الدوائر التابعة لولايته، الذي يجتمع كذلك في نهاية كل أسبوع ويقوم بتجميع وتوحيد جميع تقارير المفوضين السياسيين وتوجيهها مع ملاحظاته واقتراحاته إلى مسئول الأمانة العامة للمكتب السياسي .
ـ مسئول الأمانة العامة للمكتب السياسي :
هو وجوبا عضو في اللجنة التنفيذية للبوليساريو والشخص الرئيسي في كل التنظيم السياسي للبوليساريو.، يتلقى تقارير المفوضين السياسيين العامين ويعالجها بواسطة المصالح التابعة له ويتخذ القرارات المناسبة بشأنها ..القرارات المهمة والخطيرة يتم اتخاذها باتفاق مشترك مع أعضاء المكتب السياسي الآخرين ويصادق عليها أعضاء اللجنة التنفيذية التي يرأسها الأمين العام للبوليساريو ..
إنّ النتيجة المنطقية لهذه الطريقة في التنظيم انعدام أي شكل من أشكال الديمقراطية.. فكل الأوامر تأتي من قمة الهرم وأي قرار لا يمكن أن يتخذ من دون المصادقة عليه من جانب القيادة...
فرغم مظاهر الحوار ما بين القيادة والقاعدة من خلال وجود مندوبين للشعب ، يقول حامتي رباني، وزير العدل السابق في حكومة الجمهورية الصحراوية الوهمية، فان السلطة تمارس بطريقة عمياء، والقرارات الحاسمة يتم اتخاذها داخل هيئة ضيقة جدا، بدون أذني حوار حقيقي، ومحمد عبد العزيز الذي بقي في السلطة منذ عام 1976 فإنه يتخذ القرارات وهو محاط بمقربيه ويتلقى مشاوراته وأوامره من الجزائر.. أما الذين يعارضونه فإنهم يقصون أو يخضعون لتحقيقات أمنية..
هذا التنظيم الهرمي بشكل واضح يضاعف منه وجود هوس أمني حقيقي..  فقيادة البوليساريو تتوقع دائما ثورة مضادة وأي تعبير مخالف لرأي القيادة لا يمكن أن يكون سوى نتاج " مؤامرة " تريد القضاء على الثورة أو تدبير من جانب المخابرات المعادية ( المغربية ) ولحماية نفسها من كل " الأوهام " تخضع البوليساريو لحراسة الجيش وخاصة الأمن العسكري المكون والمدرب من طرف الأمن العسكري الجزائري..
أما زعيم الانفصاليين محمد عبد العزيز، فهو يعيش قي شك دائم تجاه الجميع، كما يقول القائد في
" جبهة البوليساريو " سابقا، لحبيب أيوب، حيث يعيش محاطا بحرسه الخاص البالغ عددهم أربعون شخصا ولا يثق إلا بمخابراته الخاصة والشرطة  التي تتبع أوامره..
 ويعمل الأمن العسكري لجبهة البوليساريو بشكل دائم على مراقبة الأجانب والصحراويين المقيمين في المناطق الخاضعة لسلطة " جبهة البوليساريو " كما يمنع الأمن العسكري أعضاء البوليساريو الذين يسمح لهم بالسفر إلى الخارج من اصطحاب أفراد عائلتهم معهم لضمان وفائهم وانضباطهم ومنع عودتهم إلى وطنهم الأم ـ المغرب ـ كما حدث مع حوالي 7000 من المواطنين الصحراويين المغاربة الذين قرروا الالتحاق بوطنهم المغرب رافضين العودة إلى مخيمات تندوف ومن بينهم عدد من قيادة البوليساريو سابقا...
هذا المناخ غير الديمقراطي والاستبدادي أدى إلى حدوث انتفاضات حقيقية في مخيمات تندوف في الأعوام 1988 و2005 و2006 ووجّهت بعنف من طرف قيادة البوليساريو.

سابعا : البنية العسكرية للجيش
1/ البنية التنظيمية داخل جيش " البوليساريو ":
على المستوى العسكري ، يعتبر التنظيم  أكثر صرامة ودقة بحيث يسيطر على كل كتيبة وفصيل مفوضون سياسيون عسكريون يرأسهم المفوض السياسي العام على مستوى الفيلق الذي يتلقى أوامره من المسئول عن المفوضية السياسية للجيش وهو عضو في المكتب السياسي الذي يتلقى أوامره من مسئول الأمانة العامة للمكتب السياسي .
2/ الهيكلية العسكرية:
من الناحية الهيكلية العسكرية فإن جيش " جبهة البوليساريو " يتوزع على  سبع نواحي عسكرية، منها ست قتالية أمامية والسابعة للإسناد والشؤون الإدارية وهي موزعة على الشكل التالي  :
ثلاثة في الشمال  : الناحية العسكرية الخامسة  (قرب بير لحلو ) والرابعة ( قرب مريس ) مسنودة، في الوسط ، بالناحية العسكرية  الثانية التي تسندها تيفاريتي.
ثلاثة في الجنوب : الناحية العسكرية الثالثة والأولى المدعومتين من الناحية العسكرية السابعة.
أخيرا ، قرب تندوف، نجد الناحية العسكرية السادسة التي تضم القيادة واللوجستيك العام .
من حيث الوحدات القتالية بالناحية العسكرية فهي:
ـ فيالق ( مشاة ميكانيكية ومشاة متحركة )
ـ أفواج ( مدفعية ميدان ، مدفعية مضادة للطيران )
ـ كتائب ( سرايا مختلف الأسلحة )
هذا بالإضافة إلى هيئة أركان ووزارة دفاع تتفرع عنها مديريات مركزية متخصصة تعنى بالميادين التالية:
ـ الأفراد
ـ الحماية
ـ التوجيه المعنوي
ـ الإمداد
ـ الخدمات الطبية العسكرية
ـ الإشارة
ـ التدريب والعمليات
ـ شؤون الشهداء
ـ القضاء العسكري
ـ الدرك الوطني
يعتبر رئيس الجمهورية الصحراوية القائد الأعلى لقوات الجيش يليه في المرتبة الثانية من حيث التسلسل الهيكلي وزير الدفاع تليه مباشرة هيئة الأركان التي تتكون من قادة النواحي العسكرية ورؤساء المصالح الإدارية .
لابد من الإشارة هنا ، وبشهادة السيد نور الدين بلالي، أحد القادة العسكريين في "جيهة البوليساريو" سابقا، إلى أن هذه الهيكلية تبقى نظرية أكثر منها انعكاسا للواقع.. فوزير الدفاع يقوم بتسيير المصالح الإدارية فقط الموجودة بالرابوني ( مقر هيئة أركان جيش البوليساريو جنوب مدينة تندوف ) بينما النواحي العسكرية يسيرها القادة الموجودون بعين المكان ..
هؤلاء القادة لهم اتصالات مباشرة بالقائد العام الذي يتلقى أوامره من جهاز الأمن العسكري الجزائري الذي يعتبر المسير الفعلي لما يسمى ب "جيش التحرير الصحراوي."
3/ تسليح " جبهة البوليساريو ":
أ ـ مصادر التسليح:
لا يختلف اثنان على أن ليبيا كان البلد الأول الذي احتضن جبهة البوليساريو ومدها بالسلاح وساهم بقوة في تكوين إطاراتها العسكرية .
فقد كانت أول شحنة من السلاح وهي عبارة عن ( 78 رشاش كلاشنيكوف وفال مع ذخيرتها ) قد وصلت إلى البوليساريو من ليبيا عبر سفارتها في العاصمة الموريتانية نواكشوط . كما لا ننسى هنا بأن " الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " كانت أول حركة تحرر وطني قدمت دعما عسكريا لهذا التنظيم عام 1975 وكان عبارة عن مجموعة من المسدسات تم شحنها من مطار العاصمة اللبنانية بيروت.
بعد العام 1975 بدأت كميات السلاح التي تصل إلى الجبهة تكبر وتتنوع مع تطور سوق السلاح والأوضاع السياسية التي كانت تطبع المواقف آنذاك..
ففي هذه الفترة بالذات شهدت الجبهة أكبر عملية تسليح في تاريخها حيث كانت ليبيا تخصص للجبهة خطا بحريا خاصا يربط بين ميناءي طرابلس بليبيا ووهران بالجزائر. فقد استلمت الجبهة 700 سيارة دفعة واحدة من مختلف الأنواع  شملت شاحنات عسكرية وسيارات لاندروفر وسيارات تويوتا وخزانات وسيارات إسعاف.
بالنسبة للجزائر ، فهناك برنامج دعم تسليحي شهري محدد بالإضافة إلى برنامج سنوي تحصل من خلاله " البوليساريو" على الذخيرة بمختلف أنواعها وأحجامها.
ابتداء من العام 1976 ، بدأت " جبهة البوليساريو " تنوع مصادر تسليحها التي كانت حتى ذلك الوقت مقتصرة على ليبيا والجزائر . فقد بدأت الجبهة تقوم باقتناء أنواع متعددة من العتاد العسكري من سوق السلاح العالمية المفتوحة مثل كوريا الشمالية ويوغوسلافيا وغيرها.. وقد كانت ليبيا وحتى لعام 1984 تقوم بتسديد فاتورة هذه الصفقات ..
لابد من الإشارة هنا إلى أن " جبهة البوليساريو" استطاعت أن تلعب وبشكل ذكي على التناقض الليبي ـ الجزائري للحصول على أسلحة متطورة من البلدين كحصولها على صواريخ سام 6 الباهظة الثمن من الجزائر ..
ب ـ الترسانة العسكرية لدى الجبهة :
هذه بعض من أنواع الأسلحة الموجودة في الترسانة العسكرية ل "جبهة البوليساريو" :
ـ دبابات نوع T54 و T55 سوفييتية الصنع
ـ ناقلات جنود مصفحة من نوع BMP   و BTR مزودة بمدافع 73 مم
ـ مدافع ميدان روسية الصنع نوع ( B10 -107 mm ) و ( B11-80 mm )
ـ رشاشات نوع دوشكا سوفيتية الصنع عيار 12ملم
ـ رشاشات عيار 5, 14 ملم و 23 ملم
ـ هاون 120 ملم
ـ مدافع هاوزر 122 ملم بعيدة المدى
ـ راجمات الصواريخ 120ملم بعيدة المدى
ـ مضادات الدروع   ( بازوكا ) و ( آر بي جي 7 )
ـ رشاشات نوع كلاشنكوف
ـ مسدسات بعيارات مختلفة
ـ آلاف من أطنان الذخيرة وصواريخ كاتيوشة السوفييتية الصنع
في مجال الدفاع الجوي الصاروخي ، تتوفر الدفاعات الجوية ل" لبوليساريو" على:
ـ صواريخ سام 6  ( قامت ليبيا بتزويد البوليساريو بهذا النوع من الصواريخ لمواجهات الطيران المغربي الذي عرف دخول طائرات الميراج الفرنسية .. استعملت هذه الصواريخ في معارك "كلتة زمور" ..
ـ صواريخ سام 7 ( محمولة على الكتف )
ـ صواريخ سام 8
ـ صواريخ سام 9
ـ صواريخ " سامرة " ( سلمت الجزائر جبهة البوليساريو هذا النوع من الصواريخ المتطورة لمواجهة تقنية التشويش الراداري التي كان يستخدمها الجيش الملكي المغربي ).
لابد من الإشارة هنا إلى انه ومع بداية مسلسل السلام ودخول وفق إطلاق النار، بين المغرب والجبهة، حيز التنفيذ، أصبح دور " الجيش الصحراوي " ثانويا وغير ذي أهمية وبالتالي فقد بدأ يلاحظ ، حسب المختصين في هذا النزاع، أن العديد من الوحدات القتالية في هذا الجيش أصبحت تعاني نقصا حادا في الأفراد والعتاد بفعل الهجرة إلى أوروبا وبخاصة إلى إسبانيا أو الالتحاق بأوطانهم الأصلية ، المغرب أو موريتاني أو مالي..
فحتى نهاية بناء الجدار الأمني عام 1987 كانت المصادر العسكرية الغربية تقدر عدد مقاتلي
" جبهة البوليساريو " بحوالي عشرة آلاف مقاتل موزعين على سبع نواحي عسكرية..أما اليوم فان العدد الإجمالي لهذه القوات لا يتجاوز بضعة آلاف ( ما بين 2000 و4000 مقاتل ) ..وفي هذا الخصوص ، يشير مصطفى بوه إلى أنه " في العام 1980 كانت السرية العسكرية في الجيش الصحراوي قريبة من المعدل الموجود في الجيش الفرنسي، أي حوالي 100ـ120 مقاتلا، أما اليوم وحسب معلوماتي فان السرية نفسها قد تضم 32 مقاتلا، وحسب المصادر نفسها فان المنطقة العسكرية قد تضم أقل من 500 مقاتل.."
وحسب ما جاء في لقاء صحفي مع أحد القادة العسكريين السابقين في "جبهة البوليساريو " فان عدد المقاتلين في الناحية العسكرية الثانية التي تعد الأهم والأكبر قد تقلص من 2000 مقاتل إلى 800 مقاتل ..أما باقي النواحي العسكرية الأخرى فان عدد القوات المرابطة في كل واحدة منها لا يتجاوز 200 إلى 300 مقاتل..
4/  الموقف على الجبهة العسكرية:
راكمت "جبهة البوليساريو " في السنوات الأولي من عمرها انتصارات مهمة على ساحة العمليات العسكرية وهي انتصارات اعترف بها عدد من الضباط المغاربة الكبار.. يقول ضابط مسؤول في القوات المسلحة الملكية : " حتى العام 1980 كان تفوق الجيش الصحراوي كبيرا، فالاستراتيجية التي طبقها وتفوقه من حيث الأسلحة ومعرفته واستخدامه للميدان كبدتنا خسائر كبيرة. إن هذه هي المرحلة التي غيرنا فيها استراتيجيتنا، فعوض تشتيت قواتنا لحماية كل مدينة على حدة واستنزاف قدراتنا في ملاحقة كتائب الجيش الصحراوي، قررنا أن نختار بأنفسنا ميدان المعركة ونفرضه على العدو، لقد بنينا الجدار الأمني ..." 
يمكننا تقسيم التاريخ العسكري ل"جبهة البوليساريو " الى عدة مراحل أهمها :
المرحلة الأولى: (1974 ـ 1980 )
تميزت هذه المرحلة ب:
ـ تطبيق استراتيجية حرب العصابات بنجاح باهر ( 1974 ـ 1976 )
ـ تطبيق استراتيجية حرب العصابات مع استعمال أسلحة متطورة (1976 ـ 1980)
خلال هذه المرحلة ، طبق الجيش الصحراوي بدقة إستراتيجية " حرب الضعيف ضد القوي" وجعل من حرب العصابات سلاحه الحاسم معتمدا على دعم الجزائر التي كانت تقوم بتدريب وتكوين وحداته العسكرية ومستفيدة من معرفتها الكبيرة لساحة المعركة ومنعرجاتها ..
لابد من الإشارة هنا أنه ومع بداية 1978 بدأت " جبهة البوليساريو " تتوفر على أسلحة متطورة مثل المدافع عديمة الارتداد ومدافع الهاون 120 ملم وراجمات الصواريخ وصواريخ سام 7 المحمولة على الكتف والأسلحة المضادة للدروع ، وبذلك ارتفعت قدرة " البوليساريو " على تسديد ضربات عسكرية كبيرة إلى القوات المسلحة الملكية والقوات الموريتانية حيث أظهرت " جبهة البوليساريو " قدرة كبيرة في توظيف هذه الأسلحة .
المرحلة الثانية : ( 1981 ـ 1987)
إنها مرحلة الانحسار والمعارك المتقطعة في الزمن أمام الإستراتيجية المغربية الجديدة..
فأمام عجزها في حماية المدن والتجمعات السكانية وضمان أمن خطوط الامتداد، قررت القوات المسلحة الملكية اللجوء إلى بناء جدار أمني يجعل الصحراء معزولة من خلال إحاطتها بخط دفاعي يصد هجمات " البوليساريو ".
الجدار هو عبارة عن سواتر رملية يصل ارتفاعها إلى نحو ثلاثة أمتار بعرض مترين 
تتقدم الجدار أسلاك شائكة وحقول للألغام والى الخلف منها خنادق ال م/د وزعت على طول امتداد التحصينات الدفاعية ونقاط الإسناد والمراقبة . أما مراكز القيادة فهي على شكل ملاجئ مخفية تحت الأرض تفصل بينها مسافات متقرب متوسطها 5 كلم .. وقد تم وضع نظام حديث من الحواسيب المرتبطة بأجهزة الرادارات الالكترونية والتي باستطاعتها كشف أية حركة على مسافة قد تصل إلى 60 كلم.. أما الأحزمة الأمنية فهي مجزأة إلى خطوط دفاعية:
الخط الدفاعي الأول و يحتوي على قواعد المدافع عديمة الارتداد وبطاريات الرشاشات 5, 14 ملم و23 ملم والصواريخ م/د
الخط الدفاعي الثاني ويوجد على مسافة 7 كلم من خط الدفاع الأول ويتألف من بطاريات الهاونات المختلفة العيارات تتباعد مواقع نصبها ب15كلم الواحدة عن الأخرى مدعومة بمدافع 155 ملم المجرورة والذاتية الحركة .. أما وحدات التدخل فتتمركز بين الخطين .. كل ذلك تحميه وتدعمه قوة استطلاع جوية حديثة وطائرات مقاتلة مختلف الأنواع.
بدون شك، فان الجدار الأمني قد قلب المعادلة الإستراتيجية العسكرية في المنطقة برمتها، حيث منح القوات المسلحة الملكية ميزة فرض ساحة المعركة على العدو والتحكم بالشكل الذي تتخذه المعارك أي الحرب التقليدية التي يعود فيها الامتياز إلى الجانب الأكثر إمدادا من ناحية الدعم العسكري ( الرشاشات والطائرات ) وبذلك تكون "جبهة البوليساريو " قد فقدت امتياز " حرب العصابات "
المرحلة الثالثة: ( 1987 ـ 1991 )
خلال هذه المرحلة اضطرت " جبهة البوليساريو " إلى تغيير إستراتيجيتها العسكرية وبدأت تحاول التصدي للتحصينات المغربية من خلال حشد قوات ضخمة معتمدة على ضباط شباب تلقوا تدريباتهم في المدرسة العسكرية " تشرشل " بالجزائر وكذلك في يوغوسلافيا وكوبا للتأقلم مع الحرب التقليدية التي فرضتها عليها القوات المسلحة الملكية وخاضت هذه القوات أول معركة كبيرة في أكتوبر 1989 في " كلتة زمور " حيث هاجمت " البوليساريو " الجدار الدفاعي بعشرات من المدرعات وأحدثت فيه ثقبا ولكن وأمام تدخل سلاح الجو المغربي اضطرت إلى التراجع ..
المرحلة الرابعة: ( 1991 إلى يومنا هذا )
تميزت هذه المرحلة بدخول وقف إطلاق النار بين الجانبين حيز التنفيذ يوم 6 سبتمبر 1991 وبداية حالة الضعف والانقسام داخل الجهاز العسكري ل " جبهة البوليساريو "

ثامنا : البوليساريو ـ بداية النهاية !  
1 ـ الانتفاضة داخل مخيمات تندوف ـ بداية التشضي داخل " جبهة البوليساريو "
شهدت مخيمات المحتجزين الصحراويين المغاربة في تندوف عدة عمليات تطهيرية نفذتها الطغمة المتسلطة على مصير هؤلاء الأبرياء واستهدفت هذه العمليات المفكرين والمعارضين لسلطة محمد عبد العزيز وللهيمنة الجزائرية على الحركة.
فقد تعرضت بعض الأقليات القبلية في أعوام 1974، 1978و 1986 إلى عمليات تطهير ممنهج من أجل إرغام أعضائها على الدخول في كنف الطاعة مما أدى إلى حصول انتفاضة شعبية حقيقية في مخيمات تندوف عام 1988 ، ووجهت بوحشية من طرف قيادة البوليساريو التي رفضت الدخول في حوار مع المحتجين ..
فخلال أسبوع كامل من 13 إلى 20 أكتوبر 1988 شهدت جميع مخيمات تندوف الأربعة انتفاضة شعبية حقيقية ضد طغيان الطغمة الحاكمة التي تدير" البوليساريو" حيث ثار المحتجون ـ رجالا ونساء وأطفالا ـ ضد تصرفات أعضاء اللجنة التنفيذية محمد عبد العزيز والبشير مصطفى السيد وإبراهيم غالي وأيوب حبيب ومحمد الأمين البوهالي ومحمد الأمين أحمد ومحفوظ علي بيبا وآخرين ..
أمام هذا الوضع المتفجر وتحت إلحاح القيادة الجزائرية من أجل إعادة النظام إلى هذه المخيمات وإنهاء أعمال الاضطرابات مهما كلف الأمر ( للعلم فإن العاصمة الجزائرية كانت قد شهدت في يوم ال5 من أكتوبر 1988 هيجانا شعبيا كبيرا ضد النظام العسكري الجزائري ) قامت قيادة البوليساريو وبالتحديد المدعو محمد الأمين البوهالي، عضو اللجنة التنفيذية ووزير داخلية حكومة " البوليساريو" بعملية قمع وحشية لم يسلم منها حتى النساء والشيوخ والأطفال..
حيث وضعت اللجنة التنفيذية لـ " جبهة البوليساريو " إدارة عمليات القمع تحت إمرة محمد الأمين البوهالي يعاونه أحمد محمود بيد الله ( المعروف باسم " كريكا " ) ـ منسق مصالح الأركان العامة لجيش البوليساريو..
هذا و فرضت قيادة " البوليساريو"  والأمن العسكري الجزائري تعتيما كاملا على مجريات الأحداث في المخيمات الأربعة ومنعوا الناس من التنقل محولين بذلك المخيمات إلى معسكرات للاعتقال ..
خلفت عمليات القمع الوحشي هذه المئات من القتلى و الجرحى كما فتحت الباب أمام اعتقال آلاف من الصحراويين، لقي العديد منهم حتفه تحت التعذيب في معتقل الرشيد الواقع على بعد 50 كلم غرب تندوف ..
إن الناجين من ذلك الجحيم لا زالوا يحملون على أجسادهم آثار التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له على أيدي بيادق الطغمة المتسلطة على مصير المحتجزين الصحراويين ..
لقد كشفت أحداث أكتوبر 1988 مدى سادية وبشاعة الحكم الذي فرضته قيادة " البوليساريو" على ساكنة المخيمات حيث لا عدالة، ولا محاكمة، ولا دفاع ولا استئناف..  فقط " العنف الثوري " وحده يسود، يتولى القضاء ويتولى التنفيذ.
من أجل قمع انتفاضة أكتوبر 1988 ، استعملت قيادة " البوليساريو"  فوجا عسكريا استقدمته من خارج المخيمات كانت غالبية عناصره من الأشبال ,, وقد جعلت هذه التجربة الجيش يتعرف عن كثب على واقع المخيمات التي كان بعيدا عنها والوقوف على حقيقة المعاناة التي يعانيها أهاليهم المحتجزين في هذه المخيمات .. وبما أن الانتفاضة كان وراءها أعداد هامة من أبناء الأقاليم الصحراوية، من مختلف القبائل، وقع تعاطف بين أطر الجيش والأطر السياسية القيادية في الخيمات التي تنتمي لنفس القبائل..
حاولت " البوليساريو " بعد بروز هذه الأحداث تصفية كل العناصر المتأصلة من الأقاليم الصحراوية وبالتالي ضرب الانتفاضة وجاء سن قانون يمنع بموجبه على العسكريين ممارسة السياسة ..
وأمام بشاعة تلك الحملات القمعية ، قامت مجموعة من الكوادر السياسية والعسكرية من " جبهة البوليساريو"  بتقديم استقالتها إلى محمد عبد العزيز.. رسالة الاستقالة تضمنت الأخطاء السياسية التي ارتكبتها قيادة " البوليساريو" والأوضاع المزرية التي باتت عليها المخيمات ومستقبل المحتجزين .. كما قدم عدد من مدراء مختلف المؤسسات المدنية والعسكرية استقالتهم .. وكان رد فعل الطغمة الحاكمة اعتقال جميع المستقلين والتحقيق معهم وتحويل المظاهرات إلى مؤامرة ضد كيان " البوليساريو"  ونعتها على أنها تحالف مع " المحتل المغربي " ( شهادة السيد نور الدين بلالي )
هذا وقد عاد التاريخ ليكرر نفسه نهاية العام 2005 حيث عمت المخيمات الأربعة مظاهرات واحتجاجات عارمة على الأوضاع المأساوية القائمة.. وتزامن ذلك مع فيضانات كبيرة اجتاحت المخيمات وزادت من معاناة المحتجزين الصحراويين..
ورغم محاولات القمع والاستئصال التي تشرف عليها الاستخبارات العسكرية الجزائرية وتنفذها الآلة القمعية ل" جبهة البوليساريو " فقد عادت الاحتجاجات والاضطرابات لتندلع مرة أخرى عام 2006 من جديد..فقد سئم محتجزو مخيمات تندوف من وضعية اللاحرب واللاسلم التي يعيشونها وخرجوا يطالبون بإيجاد حل  " سريع ونهائي لمعاناة سكان المخيمات " متهمين قادة البوليساريو بالمتاجرة بقضيتهم لثرائهم وبتحويل المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم لجيوبهم الخاصة .."
هذا وقد تعرضت هذه الانتفاضة للإخماد بواسطة الآلة القمعية ل "البوليساريو" وبإيعاز من أسيادهم الجزائريين، حيث نفذت حملة واسعة من الاعتقالات طالت العديد من الأطر والعناصر التي تعتبرها " البوليساريو " المحرضة الفعلية للسكان على العصيان والتمرد .
2 ـ وقف إطلاق النار ـ انتكاسة لمشروع الانفصاليين :
شكل ال 6 من سبتمبر 1991 ، تاريخ وقف إطلاق النار منعطفا حاسما في مسار جبهة الانفصال " البوليساريو " وانتكاسة كبيرة للمشروع الانفصالي للطغمة القيادية في هذا التنظيم  وذلك لأسباب كثيرة أهمها :
أ ـ أسباب إقليمية وخارجية:
ضغوط دولية أملتها تغيرات إستراتيجية حدثت على المستوى الدولي والإقليمي
ب ـ أسباب داخلية:
خلق وقف إطلاق النار وضعا جديدا غير مألوف حيث أوجد دفعة واحدة آلافاً من الرجال الذين كانوا يمتهنون القتال دون عمل وبلا هدف..
" فالبوليساريو" ، يغترف الصحافي لدى " جبهة البوليساريو " اسلامة عبد الرحمن والمعروف بعدائه للمغرب ، لم تستطع أن تتوقع حجم الانفلات والفراغ والتسيب والفوضى التي ستترتب عن الوضع الجديد . فوجود مجموعة بشرية كبيرة في أرض ذات ظروف مناخية قاسية ، يمتهن أفرادها جميع الوظائف من العتالة إلى الرئاسة دون أن يتقاضى أحد منهم أجرا أصبح في ظل الظروف الجديدة أمرا غير مقبول والاستمرار فيه أصبح غير ممكن خاصة في ظل غياب الثقة واختلال التوازن الاجتماعي ونمو طبقة طفيلية من أثرياء الحرب الجدد . لقد أصبح التنافس الحاد من أجل الثراء السريع وبأية وسيلة وبأي ثمن هو الهاجس المشترك لدى جميع أفراد المجتمع ..ومما ساعد على ظهور الفساد وتفشيه على نطاق واسع في مستويات الإدارة كافة، بحيث لم يسلم منه أي إطار مهما كان مستواه ، لجوء الكل إلى كنز المساعدات الإنسانية من مواد غذائية وطبية وزراعية ومالية وغيرها وتحويلها إلى أكوام من النقود والسيارات والشاليهات في مايوركا وشقق في مدريد وبرشلونة ..
كما أنه ومنذ ال 6/9/1991 " يقول اسلامة عبد الرحمن، لم يعد التعيين في أي منصب إداري أو سياسي كما كان في السابق حسب الولاء ولم يصبح حسب الكفاءة، بل صار وفق الانتماء القبلي مما أنجب طبقة جافة في التعامل مع المحتجزين سطحية في التفكير ..
3 ـ المؤتمر الثاني عشر ـ  انكشاف عمق الأزمة السياسية والتنظيمية داخل   " جبهة البوليساريو "
اختارت " جبهة البوليساريو"  بلدة تيفاريتي المنزوعة السلاح ، بعيدا عن ما يسمى بمخيمات اللاجئين الصحراويين في تندوف ، لعقد مؤتمرها الثاني عشر، بعيدا عن السكان الصحراويين المحتجزين في هذه المخيمات والذين يشكلون " القاعدة  الشعبية الجماهيرية " ل " جبهة البوليساريو" ـ حسب ادعاءات قادة هذه الأخيرة..
وبهروبها إلى تيفاريتي لعقد مؤتمرها الثاني عشر ، حاولت الجبهة أن تكون بعيدة ما أمكن عن عشرات الآلاف من المواطنين الصحراويين الذين يعيشون منذ عقود في ظروف إنسانية مأساوية صعبة نتيجة استغلال قادة البوليساريو " الثوريين " لمآسي هؤلاء الأبرياء والمتاجرة بمعاناتهم وذلك بهدف تفادي تجدد انتفاضة أخرى داخل هذه المخيمات .
إن اختيار " جبهة البوليساريو"  لعقد مؤتمرها في هذا المكان وبهذا التوقيت جاء كمحاولة يائسة من الانفصاليين الصحراويين للتغطية على مجموعة من المآزق التي يعيشونها أهمها :
ـ على الصعيد الداخلي :
أ ـ ظهور تيارات معارضة داخل الجبهة ترفض النهج الذي تسير عليه القيادة الحالية ل " لبوليساريو" وتدعو إلى تغيير المسار والبحث عن حلول سياسية بديلة تنهي معاناة آلاف المواطنين الصحراويين المحتجزين في مخيمات تندوف ومن بين هذه التيارات:
ـ التيار الذي يتزعمه البشير مصطفى السيد والمتمركز في مخيم لمحاميد .. هذا التيار يرى في التحالف مع جنرالات الجزائر انتحار سياسي وعسكري على المدى البعيد لكون أجندة الجبهة تتناقض مع أجندة هؤلاء الجنرالات شكلا وموضوعا..
ـ تيار " الجبهة الشعبية ـ خط الشهيد " وهو تيار إصلاحي يقوده السيد المحجوب السالك الذي دعا إلى مقاطعة المؤتمر الثاني عشر  وفضل الرجوع والإقامة في إسبانيا ـ الدولة التي كانت مستعمرة للصحراء المغربية سابقا ، بدل البقاء في مخيمات تندوف الجزائرية، رافضا كل تحالف مع الجزائر في صراعها مع المغرب ومطالبا بإقالة كل مسئولي " البوليساريو" الحاليين، متهما إياهم بخيانة المبادئ التي قامت عليها الجبهة ومؤسسها الأول الوالي مصطفى السيد .
يرى تيار " الجبهة الشعبية ـ خط الشهيد " أن حل مشكلة النزاع في الصحراء هو بيد إسبانيا وليس الجزائر..
ـ مجموعة " اكجيجيمات " وهي مجموعة من أعضاء " البوليساريو " اجتمعت على هامش المؤتمر الثاني عشر بضواحي تيفاريتي بالصحراء المغربية لإسماع صوتها إلى الرأي العام العالمي وأعلنت فيه عن قبولها الحكم الذاتي كحل للنزاع الدائر في الصحراء ..
ـ تحرك شيوخ وأعيان قبائل صحراوية الذين نظموا مظاهرات احتجاجية بمنطقة تيفاريتي للتنديد بمؤتمر الجبهة وبقيادة " البوليساريو" ، متهمين إياها بالانفراد بالقرار السياسي ومعبرين عن التهميش الذي يمارسه قادة " البوليساريو" ..
علي المستوى الإقليمي والدولي :
ـ قيام عشرات الدول بسحب أو تجميد اعترافها ب " الجمهورية الصحراوية " ، خاصة الدول الإفريقية واللاتينية ..
ـ تزايد التأييد الإقليمي والدولي للمبادرة المغربية الرامية إلى منح سكان الأقاليم الصحراوية حكما ذاتيا موسعا لتسيير شؤونهم بأنفسهم في إطار السيادة المغربية.
ـ مراجعة المغرب لإستراتيجيته في التعامل مع الملف الصحراوي ونجاحه في تحسين أوضاع السكان في الأقاليم الصحراوية عبر نشر ثقافة حقوق الإنسان والمواطنة مما أفشل محاولات جنرالات الجزائر و" البوليساريو"  في نقل المعركة إلى الداخل المغربي وإيجاد خلايا نائمة داخل المغرب تحركها كما تريد ومتى تريد بغية تصدع الوحدة الداخلية المغربية .
حاولت " البوليساريو"  ومن خلال عقدها لمؤتمرها الثاني عشر في بلدة تيفاريتي  أن تظهر في موقع القوة ، غير أن النتائج التي تمخض عنها هذا المؤتمر والظروف السياسية والتنظيمية التي رافقته  كشفت عن عمق الأزمة السياسية والتنظيمية التي تتخبط فيها قيادة البوليساريو ومحدودية رؤيتها السياسية للنزاع مما جعلها تهرب إلى الأمام بقرع طبول الحرب وذلك من خلال التلويح بالعودة إلى " الكفاح المسلح "  في محاولة يائسة لتفادي خطر الانشقاقات التي باتت تنخر الجبهة من الداخل ..غير أن المتتبع لملف هذا النزاع  يدرك جيدا أن إمكانية عودة " جبهة البوليساريو"  إلى حلبة الصراع المسلح تعتبر شبه معدومة .. فلا الظروف الذاتية ولا الوضع الإقليمي والدولي يسمح لها بذلك..

كلمة أخيرة :
راكمت قيادة " البوليساريو " الأخطاء السياسية منذ تحولها من حركة معارضة داخلية في سياق الاحتقان الداخلي بمغرب أوائل السبعينات من القرن الماضي وسقوطها في فخ الانفصال ونزع الهيمنة ، فأصبحت أداة في الرهان الخاسر على إضعاف المغرب سياسيا وعسكريا واقتصاديا وجغرافيا للانفراد بزعامة المنطقة .
واليوم وعلى الرغم من انتفاء الظروف التاريخية والسياسية والاجتماعية التي صاحبت نشأة هذا التنظيم ، فان قيادة " جبهة البوليساريو " لا تزال مستمرة في معاكسة التاريخ ومعانقة حلم الانفصال ..
فقد أحدثت حركة البريسترويكا تغييرا كبيرا في العالم وجعلته ذا قطب واحد وفرضت بالتالي كثيرا من التحولات على " جبهة البوليساريو " التي تحولت إلى مشروع خاسر واستمراره يعني مزيدا من الخسارة في ظل انتفاء المبررات التي صاغته .
لقد أصبح نزاع الصحراء خاضعا بشكل واضح للعديد من الاعتبارات التي أفرزها اختلال موازين القوى العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وسقوط النظام الشمولي.
ففي الوقت الذي شهد فيه العالم تغيرات دراماتيكية كبرى انطلقت فصولها بانهيار الاتحاد السوفييتي واختفت فيه جميع الحركات ذات الطابع السياسي أو السياسي العسكري الشبيهة بـ     " البوليساريو" من خريطة العالم، فان " جبهة البوليساريو " ظلت وفية لـ "فكرها" العقيم ..لا ديمقراطية، ولا انتخابات حرة، ولا تعددية حزبية، ولا حرية تعبير، ولا وجود لمجتمع مدني ..
 كل هذا أثر بشكل كبير على الدور الداعم لـ " جبهة البوليساريو " ودفع بالعديد من الصحراويين إلى إعادة النظر فيما يقومون به اتجاه شعبهم ووطنهم ودفع العديد من الأطر والكوادر السياسية والعسكرية والاجتماعية الالتحاق بوطنهم المغرب.
كما شهدت " البوليساريو " مع بداية مسلسل السلام ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ نزيفا حادا في صفوف مقاتليها حيث فقدت الجزء الأكبر من مجنديها الذين عادوا إلى وطنهم الأم ـ المغرب أو إلى قبائلهم ومدنهم في الجزائر ومالي وموريتانيا..
وقدر عدد الذين دخلوا الأراضي الموريتانية للاستقرار بحوالي 6000 مقاتل وهو ما يشكل 60% من مجموع أقراد الجيش الصحراوي..
كما شجع قرار الحكومة الإسبانية منح الجنسية الإسبانية للسكان المغاربة المنحدرين من الصحراء ـ وهو قرار ذو بعد استعماري يقول الصحفي عبد الرحمن مكاوي، العديد من الشباب الصحراوي في مخيمات تندوف بالخروج خلسة من هذه المخيمات رغم الحصار الشديد للجيش الجزائري على هذه المخيمات، للحصول على الجنسية الإسبانية حيث أقامت إسبانيا لتحقيق هذا الغرض مكاتب خاصة في الجزر الخالدات وموريتانيا ..
ويبقي السؤال المطروح : إلى متى ستستمر " جبهة البوليساريو " في معاكسة مسيرة تاريخ المنطقة المغاربية ومعانقة وهم الانفصال الذي انتفت عنه حتى المصوغات الإيديولوجية التي كانت تمنحه بعض البريق الكاذب ؟   
إن قادة الانفصال يعلمون جيدا بأن الواقع الجيوسياسي للمنطقة والتطورات التي تعرفها منطقة المغرب العربي وبروز جملة من الشروط المفروضة من أجل الاندماج في النظام العالمي الحالي، كلها تفيد أن حل نزاع الصحراء وجب أن يسعى في اتجاه الاندماج وليس الانفصال مع مراعاة الخصوصيات..
إنّنا نؤمن بأن الحل الذي يطرحه المغرب اليوم والمتمثل بإعطاء ساكني الإقليم الصحراوي حكما ذاتيا موسعا مع صلاحيات واسعة في تدبير شؤونهم المحلية تحت السيادة المغربية، يمكن أن يشكل أرضية جيدة لتسوية هذا النزاع المزمن وتجاوز سنوات العداء... فالمقترح المذكور يسمح للصحراويين الموجودين في مخيمات تندوف العودة إلى وطنهم و الانخراط في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وبالتالي إنهاء نزاع دام أكثر من ثلاثة عقود بدون حل وترتبت عنه مآس إنسانية كبيرة لا تزال فصولها مستمرة حتى يومنا هذا، ناهيك عن استنزاف ثروات شعوب هذه المنطقة..
إن مقترح الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب يستجيب، كما يرى الباحث الدكتور عبد الله تركماني،  لتوجهين اثنين:ـ
 أولا ـ اعتبار أنه في كل صراع دولي ليس هناك غالب واحد يمكن أن يأخذ كل شيء، مهما كانت شرعية حقوقه، فهناك قاعدة لا غالب ولا مغلوب..
ثانيا ـ إن هذا الحل يعتبر أن القضية يمكن أن تحل على أساس أنه لا إلحاق ولا انفصال، بل هناك وضعية خاصة تسمح للسكان بتدبير شؤونهم اليومية دون الارتقاء إلى شخصية دولية منفصلة...
ويبقى السؤال المطروح:  هل سيتغلب منطق العقل واغتنام هذه الفرصة لإنهاء هذا الصراع..؟
 إن منطقة المغرب العربي لا تحتمل صراعات " بينية " في ظل الأوضاع المغاربية والعربية والدولية .. فالهجمة التي تستهدف بلدان المغرب العربي وعلى الأخص ،البلدين الشقيقين ـ المغرب والجزائرـ  تفرض عليها جميعا اليوم أن تكثف جهودها من أجل الحفاظ على الأمن الإقليمي في هذه المنطقة.

المراجع:
كتب متخصصة:
1 ـ عبد الحق دهبي،  " قضية الصحراء المغربية ومخطط التسوية الأممية (دراسة قانونية في مسار التسوية في نطاق المنظمات الدولية ) " ، دار أبي رقراق، 2003
2 ـ عبد الحكيم بديع ، " البوليساريو من التأسيس إلى التفكك "، مطبعة الساحل، 1995
3 ـ علي الشامي، " الصحراء الغربية عقدة التجزئة في المغرب العربي "، دار الكلمة للنشر، 1980
4 ـ حسن بو قنطار، " البوليساريو لعبة تحت المجهر "، مطبعة اليت،  1980
مؤتمرات وندوات:
1 ـ د. عبد الله تركماني، " إشكاليات الصحراء الغربية وتكلفة اللامغرب " ، مؤتمر منتدى الفكر المعاصر حول " تكلفة اللامغرب " ، تونس 11 ـ 13/01/2007
2 ـ ندوة " باهي محمد والصحراء المغربية " شهادات السيد مبارك بو درقة والسيد بن سعيد آيت يدر والسيد مصطفة بوه ( المعروف بالبرزاني )، مراكش 2004
مقالات وأبحاث على شبكة الانترنت:
باللغة العربية :
1 ـ ادريس ولد القابلة ، " البوليساريو تحرك أجنحتها في الداخل لخلق القلاقل في الصحراء " ، " الحوار المتمدن " عدد 2018
2 ـ " تاريخ النزاع في الصحراء " www.sahara-online.net
3 ـ السالك مفتاح " البوليساريو من سنوات المخاض والكفاح المسلح الى حرب السلام...تعددت الوسائل وتوحد الهدف" الحوار المتمدن، عدد 1910
4 ـ السالك مفتاح، " جيش البوليساريو ...مهام وتحديات !! " الحوار المتمدن"  28/2/2007
5 ـ اسلامة عبد الرحمن، " البوليساريو ...وتداعيات وقف اطلاق النار " الحوار المتمدن" العدد 2038
6 ـ اسلامة عبد الرحمن، " البوليساريو ذكرى التاسيس ومطالب الاصلاح " ، الحوار المتمدن، عدد2281
7 ـ عبد الرحمن مكاوي، " بداية نهاية البوليساريو " 1/6/2008  www.azzaman.com
8 ـ " مشكلة الصحراء الغربية ( البوليساريو ) ، www.almoqatel.com
9 ـ الموساوي موسى ولد لولاد، " نضال الصحراويين.. التاريخ والآفاق "، www.marxy.com
10ـ  " النزاع حول الصحراء المغربية ما هو في الحقيقة سوى صراع على الزعامة الاقليمية أطلقته الجزائر " 11/10/2005، www.oujdacity.net
باللغة الفرنسية :
1 – " Le front polisario – partenaire credible de negociations ou sequelle de la  gerre froide et obstacle a une solution politique au sahara occidentale "  (ESISC), Novembre 2005
-Les moyens militaries du Polisario"  ,  www.maroc.press.ma2
3- Histoire secrete du Front Polisario  ,  www.polisario-confidentiel.com      
4- Chronique d,une guerilla aux portes du Desert,                                                                                                                 www.polisario-confidentiel.com